أثرا
وجدت باب بيت والدي نارام مفتوحا فدخلت. و ما أن وطأت قدمي أرض دارهم حتى إعتراني إحساس بأمان و ألفة غريبين. شعرت و كأنني أعرف المكان جيدا، و كأنني عشت فيه منذ سنوات، رغم أنني لم أبت هناك سوى ليلة واحدة.
كنت على وشك الصعود إلى غرفة نارام عندما لمحته يدخل من الباب الخلفي للحديقة إلى المطبخ. عادت الاشراقة إلى وجهه، لكن شيء من بقايا الحزن كان لا يزال يخالط أساريره. توقف عندما رآني ثم تبسم، فدخلت المطبخ. أقبل علي دون أن تفارق عيناه عيناي. ظننه أراد أن يقول شيئا لكنه لم ينبس بكلمة، فتسارع خفقان قلبي مع كل لحظة تمر و نحن نتبادل فيها النظرات وسط ذلك السكون.
أشار إلى الفاكهة على المائدة أخيرا و سأل: "دخلت لأتناول بعض الفاكهة. هل ترغبين.. في تناول بعض منها؟"
أومأت له فأخرج صحنا ثم سكينا من بين السكاكين المرتبة في الخزانة المفتوحة، و عاد إلى المائدة حيث وضع كل شيء. راقبت يديه في صمت لمدة وهما تعملان. أطراف أصابعه الطويلة و هي تتفقد طراوة الثمار. عظام يديه التي تبرز من تحت جلده كلما ضغط على السكين ليجرد كل حبّة من قشرتها، و راحة يديه اللتان تقطران عصير إجاص فيجففهما بمنديل من حين لآخر قبل أن تزحف القطرات إلى ساعديه.
سألته عن حاله مختلسة نظرة خاطفة إليه عندما أجابني بأنه بخير، فرأيت إبتسامة صغيرة تعلو محياه. إبتسامة طمأنتني عليه، لكنني شككت في أمرها.
"أخبرني إيلات.. بما فعله بك.. و زوجتك. أنت حقا بخير.. رغم كل ذلك؟"
هز رأسه بالايجاب. "أنا بخير. على الأقل أفضل حالا من الأمس." ثم أردف بعد سكوت: "لا أنكر أنني غضبت عندما إكتشفت الأمر في البداية، لكن ما حدث قد حدث.. إنها مشيئة الرب."
تمتمت متعجبة من تقبله للأمر بكل هدوء: "مشيئة الرب.."
"أؤمن بأنه لكل حدث جانب مشرق، مهما كان الحدث سيئا. ربما خسرت راحيل.. إلا أني كسبت و جربت أشياء أخرى."
تابع قائلا و هو يقطع الاجاصة على شكل مكعبات: "لو لا فراقنا لما سافرت، و لما فكرت في الخروج من بابل حتى. كنت سأعيش بقية حياتي جاهلا بما في خارج أصوارها.."وضع الاجاصة و السكين فجأة عندما سالت قطرة دم من جرح صغير في إبهام يسراه، فأخذت يده و مسحت عنها الدماء بالمنديل.
سمعت صوته اللطيف يهمس لي: "لو لم أخرج من بابل.. لما قابلتك يا أثرا.. و لما عرفتك.." ثم أردف عندما رفعت بصري إليه: "و لما وقعت في حبك."
سقط المنديل من يدي لحظة إنفجر دفئ لطيف في أعماقي. دفئ إنتشر في كل أطراف جسمي و إنتشت به. حملقت فيه طويلا، مذهولة، غير مصدقة أنه قال بأنه يحبّني!
![](https://img.wattpad.com/cover/341708978-288-k956452.jpg)
أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Ficción históricaنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...