أثرا
دخلت زالين فوجدتني لا أزال مستلقية. تربعت بجواري و وضعت وعاءا مغطا بقماش أبيض على الأرض. دلّكت ذراعي برفق و هي تبتسم لي إبتسامة حزينة فجلست. سألتني عن حالي فأخبرتها بأنني أفضل حالا. تفحصت وجهي ثم قالت: "أنا أقصد.. إن كنت تشعرين بأنك بخير.. بعد ما حدث أمس."
إنعقدت أحشائي و لم يعد في إستطاعتي إجبار شفتاي على الابتسام أكثر من ذلك. حضنتني. "كان عليكي أن تخبريني بما جرى.""لم أشأ.. أن أزعجك بكل ذلك."
ربّتت على ظهري. "لقد قابلت.. أور هذا الصباح. قالت أنها تريد مقابلتك.. و تريد أن تعتذر منك على ما فعلته."
إزداد إنقباض أحشائي عندما سمعت إسمها. لم أكن أرغب في مقابلتها و لا سماع أي شيء منها عن تلك الليلة. كل ما أردته هو قضاء يوم هادئ بعيدا عن كل ذلك و أنسى ما جرى لبعض الوقت. لكن جزء مني جعلني أوافق على مقابلتها. فلقد كانت طيبة معي و إعتنت بي إلى جانب زالين. أن أصغي إلى ما لديها أقل شيء يمكنني القيام به لأرد جميلها.
دخلت بعد أن غادرت زالين. ألقت علي تحية الصباح و هي تحاول جاهدة الحفاظ على إتصال نظراتنا لكن من دون جدوى، ثم جلست و نكّست رأسها نادمة، متأسفة على ما فعلته. كانت شاحبة الوجه، جفناها منتفخان قليلا و كأنها لم تذق طعم النوم تلك الليلة. رددت نفس كلام إيلات و قالت أنها أخطأت و أنها لن تعيد الكرة مجددا، ثم طلبت مني مسامحتها.
سألتها و أنا أحاول بكل ما في وسعي الامساك بدموعي التي تلسع مقلتاي: "لماذا.. فعلتما ذلك.. إن كان خطأ؟"
"لا أدري.. لا أدري ما الذي.. دهانا." ثم أضافت: "أعلم أن إعتذاري لن يخفف مما سببته لك من ألم لكن.. أرجوك أن تسامحيني.."
سامحتها. سامحتها منذ اللحظة التي دخلت فيها و بدت و كأنها زارت الجحيم وعادت منه. سامحت إيلات أيضا. لكنني لم أكن أريد أيا منهما بقربي مجددا. على الأقل ليس و أنا في تلك الحال. أشحت بوجهي حتى جفّفت ما ترقرق من جفناي ثم قلت: "سامحتك."
شكرتني ثم قالت في حذر بالغ: "إيلات أيضا.. يريد التحدث إليك."
"ليس اليوم. ربما.. ربما أحدثه غدا."
إكتفت بايماة ثم إعتذرت مجددا قبل أن تنصرف. زفرت لعلي أخرج الضيق من صدري، و أنا أحاول منع نفسي من التفكير في إيلات، و في ما يجب أن أقوله له عندما أراه. عادت زالين، و مجددا سألتني إن كنت أحسن حالا بعد أن تحدثت و أور، لكنني لم أكن أحسن حلا. لم أكن بخير أبدا.
"لا.. لا أدري يا زالين."
تنهدت تنهيدة صغيرة ثم قالت: "ربما قد أبدو و كأنني.. أحاول الدافع عن أور لكن.. لا أريد أن أقول سوى الحقيقة. لقد أحبت أور إيلات كثيرا منذ أن إلتقته. لكنه لم يكن يبادها و كانت تعرف ذلك جيدا. و كانت تعرف أيضا أنه يحب شخصا آخر. أخبرها عنك من قبل. و عندما إجتمع شملكما تنحت جانبا و حاولت جاهدة قمع مشاعرها تجاهه." سكتت لبرهة. "إنها تتألم أيضا يا أثرا. و أرجوا أن تسامحيها من أعماق قلبك."
كان شكي يومها في محله. كانت نظراتهما لبعض توحي بعلاقة ما بينهما. لكنه لم يخبرني بأي شيء من ذلك. شعرت فجأة و كأنني أخذت من أور حبها و سعادتها. لأننا لو لم نلتقي، لو لم نجتمع أنا و إيلات لكانت سعيدة، و لربما أحبها في يوم من الأيام كما تحبه. ربما كان حقا مثل هيد، سواءا أحب أم لم يحب، رغباته أولى و أهم من كل شيء.
سألتني زالين إن كنت مستعدة لاستقبال الزوار فأومأت. كنت مستعدة للقاء أناس لا أعرفهم فربما يساعدني التحدث إليهم على نسيان تلك الليلة لبعض الوقت. كنت أعلم أنه يجب أن أواجه إيلات قريبا و كان لدي كلام كثير لأخبره به، لكنني في تلك اللحظة أردت أن أنساه فقط و لو لبضع لحظات و أشغل بالي بشيء آخر. أي شيء. أيا يكن.

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historical Fictionنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...