أثرا
كنا نفرش الخيمة عندما إستأذن نارام للدخول. إستقبلته زالين و بادلته أطراف الحديث بينما كنت أضرب على الوسائد و أرتبها، و أنا أختلس نظرة تلو أخرى إليه. إرتباك من وجوده بقربي مجددا رغم أنني وعدته بأنني سأنسى ما حصل و أعود كما كنت. حاولت أن أفي بوعدي أمامه، لكنني لم أستطع التظاهر أمام نفسي بأن ما فعلته لم يكن مخجلا، أو أنه لم يكن يعني لي.. شيئا. ربما لم تكن تلك القبلة سوى زلة أو عثرة، إلا أنها كانت تعني لي الكثير. و ربما كانت شيئا لم أقرره بكامل وعي لكنها كانت شيئا أراد جزء مني القيام به.
سأل موجها سؤاله إلى كلتينا فاستدرت إليهما: "ما رأيكما بالخروج إلى المدينة؟"
أجابته زالين: "إقترحت أثرا الأمر قبل قليل أيضا. ستذهب؟"
"أريد زيارة المدينة قبل الغروب." نقل نظره بيني و بينها مردفا: "إذا.. هل يمكنني مرافقتكما؟"
أسعدني طلبه بالانضمام إلينا كثيرا، و كم تقت للرد عليه إخباره بأنني أريده أن يرافقنا، لكن صورته و أنا أحاوط وجهه و أسرق قبلة من شفتيه أحرجتني مجددا و أخرستني، فسلّمت زمام الأمور لزالين و إنتظرت ردّها بفارغ الصبر.
قالت: "بالطبع." ثم ترددت قبل أن تصحح جوابها: "أو ما رأيكما.. لما لا تذهبان معا؟ وحدكما."
تركت الوسائد مستغربة من إقتراحها: "ألا ترغبين في زيارة سوق المدينة؟"
"الحقيقة أنني متعبة، و قد جاءني الحيض قبل قليل و أفضل أن أريح بدني إستعدادا للغد. أنا آسفة حقا يا آثرا."
رمشت في ذهول من ذكرها للأمر بكل أريحية و من دون أن تنحرج أمام نارام، و تعجبت لعدم تقززه منها. سحبتها من معصمها بعيدا عنه. "لما لم تخبريني بذلك قبل الآن؟"
أجابتني دون أن تخفض صوتها على عكسي تماما: "لا بأس. أنا بخير. ثم لا داعي للخجل من الأمر." أشارت إلى بطني مردفة: " لو لا أرحامنا لما تكونت أجسام البشر و لما خرج أي منا إلى هذه الدنيا، فلما الخجل من حمل عشّ الوجود في أحشائنا؟"
وقفت مذهولة أفكر في كلامها بينما كانت تبحث في حقيبة ثيابها. و مرة أخرى علمتني شيئا غريبا عني. علمتني أنني لست ما أقنعني أهلي بأنني إياه. لست مملوكة مذلولة يجب أن تخجل من وجودها. كنت إنسانا أيضا، روح و عقل إلى جانب جسد كان علي أن أحبه. جسد كان علي أن أعتني و أفتخر به كما تفعل زالين.
أخرجت القماش الأزرق المطرز بالفضي الذي إشترته قبل بضعة أيام، ثم سألت نارام و هي تلبسني إياه: "ماذا قلت؟ سترافق أثرا؟" إكتفى بايماءة و ابتسامة صغيرتين فتابعت: "إذا، من الأفضل أن تذهبا الآن إذا كنتما ترغبان في العودة باكرا."

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historical Fictionنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...