𒌍𒁹

97 17 0
                                    

أثرا

دخلت خيمته فوجته طريح الفراش و أور تجف عرق جبينه ثم تمسحه بثوب تبلله من حين إلى آخر بالماء و تعصره. كان فاقد الوعي تماما. إقتربت منه فلاحظت إصفرار وجهه و سواد تحت عينيه المغمضتين. كان يتنفس بصعوبة، و خصلات شعره الأمامية مبللة ملتصقة بجبهته و هو يتصبب عرقا باستمرار. أنستني حاله غضبي عليه و أشعرتني بشيء من الندم. تمنيت لو أنني وافقت على مقابلته ذلك الصباح، لو أنني إستمعت إلى ما لديه قبل أن أقسو عليه.

طلب مني نارام الجلوس ففعلت، ثم جلس بجواري قائلا: "سيعود ليشار برفقة الحكيم قريبا. لا داعي للقلق." إلتفتت إليه فأردف: "سيكون بخير."

أبقيت عيناي على عينيه المطمئنتين و لم ألتفت عنهما إلا عندما سمعت صوت إيلات يقاتل ليخرج من حلقه. لمحته يمسك بمعصم أور. تمعن فيها مطولا قبل أن ينطق بإسمي. نادى باسمي أنا بدلا من إسمها. خفف ذلك من غضبي منه لكنه أيضا زاد من الذنب الذي أحسسته تجاه أور. مسدت على شعره و تبسمت له، ثم وضعت الثوب على جبينه. قامت و أشارت إلى حيث كانت متربعه ثم قالت: "إنه يبحث عنكي."

تلاشت إبتسامتها و هي تغادر فازداد ضيقي و إحساسي بالذنب تجاهها. ظهرت فجأة في حياتها و سلبتها حبها. لو كانت الحكاية معكوسة، لو كنت مكانها و كانت هي مكاني، لربما نفرت منها و لتفاديت لقائها منذ أول يوم رأيتها فيه. تربعت متنهدة بجانب إيلات و حملت يده بين كفاي و أنا أتفحص ملامحه المرهقة. إفتر ثغره عن إبتسامة صغيرة بينما كانت جفناه تصارعان التعب لتنظرا إلي. إعتذر مني و ردد إعتذاره مرارا حتى دمعت عيناه، فمسحت على خديه. ضببت دموعي صورته ثم سالت كلها عندما رمشت. طبعت قبلة طويلة على جبينه و همست: "سامحتك يا إيلات. سامحتك."

دخل الحكيم برفقة ليشار في تلك اللحظة، فمسدت على رأسه مؤكدة له بأنني سامحته، ثم أفسحت المجال للطبيب ليتفحص حاله.

*

ساعد الحكيم إيلات على تناول دواءه، و عندما غط في النوم ترك له قارورة دواء بالقرب من طبق وجبته التي أحضرتها له زالين، ثم طلب من نارام البقاء بجانبه حتى يستفيق. "حاول أن تجعله يأكل بعضا من الطعام أولا قبل أن يتناول الدواء، ثم دعه يرتاح..."

خرجا من الخيمة و هما يتحدثان فأرحت رأسي على وسادة أسندت عليها ظهري. وسرعان ما عاد نارام و قال لي: "إذهبي لترتاحي الآن. سأبقى أنا هنا معه."

أجبته في شرود و أنا أراقب ملامح إيلات الساكنة، و صدره الذي يرتفع و ينخفض ببطئ و هدوء. "أريد البقاء معه لبعض الوقت."

ساد الصمت علينا طويلا. و قضيت تلك المدة كلها تائهة في بين أفكاري المتضاربة. فكرت في كل شيء و لا شيء في نفس الوقت. لم أكن منتبهة لما كانت الأصوات في رأسي تقوله و لا إلى الصور التي كانت تعرضها. لكنني إنتبهت إلى جملة واحدة سمعتها تتردد وسط الضجة في ذهني. جملة سمعت نارام يقولها لزالين قبل أن أدخل عليهما. "أثرا لا تحتاج حبيبا."
كان على حق. لم أكن أحتاج حبيبا. ظننت أنني سأنسى كل ما يؤلمني إذا ما حصلت على حب إيلات، لكنني أخطأت. كان يحتاج مقابلا أيضا. كان يريد مني أن أحبه كل الحب، و أحبه بجسدي أيضا، لكنني لم أتمكن من ذلك. و في النهاية فشل كلانا في منح الآخر ما يحتاجه فشلا ذريعا.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن