نارام
أمضيت اليوم التالي كله أفكر فيها، أسترجع لحظة تلو أخرى و كأنني أخاف أن أنسى تفاصيل ما جرى بيننا. حنان يديها و هما تمسحان الدماء عن جرحي البسيط. الدهشة التي إعتلت محياها عندما سمعت إعترافي بحبي لها. إهتزاز صوتها و هي تصارحني ثم تعترف لي بمشاعرها. رقّة أناملها التي تحسست بها أصابعي. لمعان عينيها الفاتنتين. لين شفتيها اللتان شاركتني بهما أجمل قبلة. تورد وجنتيها البارزتين و نحن جالسان في غرفتي. الحماس في نبرتها و هي تتحدث عن حلمها الجديد. حلم كنت على أتم الاستعداد لأساعدها في تحقيقه...
حتى و أنا في السوق أقتني من الخضار و الفواكه، و حتى بعد عودتي إلى البيت و شروعي في ترتيب المشتريات في خزائن مطبخي، كنت أفكر فيها و لا أحد غيرها.
باشرت في ترتيب حبات البطاطس في إحدى السلات عندما تسللت صورة إيلات إلى عقلي فقاطعت أحلامي. تذكرت أن مطبخه أيضا كان فارغا، فأخذت بضع حبات من كل الخضار التي إشتريتها و وضعتها جانبا كي أجمعها لاحقا في سلة آخذها إليه، ثم أجبرت نفسي على الكفّ عن التفكير فيه قبل أن يعتريني ذلك الضيق و ذلك الاستياء اللذان كنت أشعر بهما كثيرا تجاهه خلال تلك الأيام. كرهت تلك المشاعر الغريبة عني، و حاولت جاهدا أن أحرر نفسي منها، لكن لم يكن الأمر سهلا. كنت لا أزال غاضبا من خيانته تلك رغما عني.
طرق أحدهم على الباب فتركت بقية الخضراوات في سلة التبضع و هرعت لأفتحه. ظننتها أمي في البداية، لكنني تفاجأت بزيارة إيلات. إستقام عندما ظهرت أمامه و حاول أن يبتسم لي. حاولت أن أفعل نفس الشيء أيضا لكنني فشلت مثله، و عادت شفاهنا تنفتح و تنغلق بحثا عن كلمات تناسب موقفنا، إلى أن دعوته للدخول.
سألته و نحن قاعدين في غرفة الجلوس: "ما سبب.. زيارتك؟ هل تحتاج شيئا؟"
برز فكه هنيهة و هو يرخي عينيه إلى الأرض و كأنه يخجل من النظر إلي. "أتيت لأشكرك على كل ما فعلته لأجلي.. و لأعتذر منك مجددا."
نظفت حلقي ثم أجبته: "لا داعي للشكر.. ولا داعي للاعتذار مجددا.. لقد سامحتك."
ساد صمت مربك علينا مرة أخرى. صمت فكرت في طرده بطريقة ما لكن ما من شيء أحدثه عنه بعد ما حدث بيننا. ما من شيء سوى مشاعري تجاه أثرا و إعترافي بحبي لها، إلا أن ذكري للأمر قد يزيد من ذلك الارتباك. و مع ذلك وجدت نفسي مضطرا للافصاح عن كل ذلك. لم أكن أريده أن يعرف لاحقا فيظن أنني كنت أحاول الانتقام منه أو التفريق بينه و أثرا كما فعل بي و راحيل أو أي شيء من ذلك القبيل.
قلت: "يجب.. أن أخبرك شيئا.." أخبرته بأن أثرا تعرف ما أحس به تجاهها، فحملق بي متفاجأ. لم يرمش و لم ينبس بكلمة. حتى حركته توقفت و كأنني صدمت عقله و بدنه. فسرت له أكثر قبل أن يظن بي سوءا: "لا أريدك أن تظن أنني أحاول الانتقام منك بذلك. كل ما في الأمر هو أنني.. لم أتمكن من إخفاء الأمر أكثر من ذلك.."
"و ماذا.. ماذا كان ردها؟"
لم أجبه عن سؤاله. لم أشأ أن أرى الخيبة على وجهه. و عندما طال إنتظاره، قام و همّ بالانصراف فأوقفته بردّ متنكر بجزء صغير من الحقيقة: "لقد أخبرتها بأنني لا أريد إشغالها بمشاعري.. و بأنني لا أريد إجبرها على إختياري إذا لم تكن تريدني.." إستدار إلي فأكملت: "إن كانت تريدني فستختارني.. و إن كانت تريدك أنت يا إيلات.. فستختارك.."
مسح على خده بسرعة و كأن الدمع بلله ثم أشاح بوجه. تنحنح قبل أن يتكلم لكن البحة لم تترك صوته: "على هذه الحال.. لا بد و أنها.. ستختارك أنت.."
أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historical Fictionنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...
