الساحر و الراوي

𒑆

نارام

جلس الحكيم خلفي و شرع ينظف الجروح على ظهري و يعالجها بينما كنت أضم ساقاي إلى صدري، شاردا، فاقدا الاحساس بالجروح التي كان يجب عليها أن تلسعني ما أن تدهن بالأعشاب، أسترجع دون قصد مني تلك اللحظات المريعة التي عشتها. كنت لا أزال أستطيع سماع إنتحابها و هي تبكي بحرقة في حضني، و لا أزال أشعر بجسدها يرتعد بين ذراعاي و بدقات قلبها العنيفة المتسارعة تختلط بنبضي. و لأساعدها لم أجد غير الكلمات، فهمست لها باستمرارا لعلي أطمئنها بأنها ستكون بخير، و بأنني لن أتركها حتى أتأكد من أنها في أمان.
لم أستطع نسيان صورة أمها. كأنها خليط مرعب من أريشكيجال و نرجال. قسوة و إنعدام رحمة، و غيظ و غضب لا يصدقان. لو أن أمي فعلت بي ما فعلته بها أمها لتحطّمت، و لربما إنهرت تماما و جن جنوني. لكنها، و رغم كل شيء، واجهتها و واجهت الجميع. صبرت على رد فعلهم، ليس في تلك اللحظة وحدها، بل طوال حياتها. صبرت على تلك المعاملة الفظة و على الكلام الجارح الذي ربما كانت تسمعه من أقرب الناس إليها كل يوم.

دخلت زالين بعد أن أذن لها الحكيم فاستيقظت من سهوي. سألتها عن حال الصبية فتنهدت دون أن تجيبني، ثم أخبرتني بأنها في خيمتها نائمة. وضعت قميصا نظيفا بجانبي لأجلي، ثم طلبت من الحكيم قائلة: "أيمكنك أن تتفحص حال الصبية يا مارو؟"

إستفهم الحكيم بصوته الأجش: "هل حالها سيئة؟"

"سيئة جدا. قبل أن تغفو، كانت منهارة تماما. كما أن جسدها كله كدمات و جروح بعضها مفتوحة يجب أن تعالج."

"حسنا إذا. سألقي نظرة عليها."

قلت شبه متوسل: "يجب أن تذهب إليها الآن يا مارو."

لكن كان لزالين رأي آخر."من الأفضل أن ندعها ترتاح قليلا. و عندما تستفيق سأرسل في طلب الحكيم."

ثم أخبرتنا عن زيارة الفتاة لها ذلك الصباح. قالت بأن حالها أقلقها منذ رأتها، لكنها لم تعرف ماذا تفعل و لا كيف تساعدها. أنا أيضا رأيتها في السوق تقف بين المستمعين إلى قصتي. أنا أيضا إنشغل بالي بها. بكل شيء إستطعت رؤيته من مكاني، خاصة التعب الذي هدّل كتفيها و نكّس رأسها و الكآبة على محياها التي كادت تضاهي حزن يعقوب على يوسف.

قالت زالين في إرتياب: "لابد و أنها كانت عند إيلات أيضا هذا الصباح. تلك الفوضى كلها سببها سحره و لا شك في ذلك."

لاح في فكري ذلك أيضا عندما رأيت ذلك الهول كله و تلك المخلوقات التي تحبس الأنفاس بمظهرها الفظيع تروم حول الفتاة و كأنها عفاريت العالم السفلي أطلقت الآلهة سراحها بعد أن تعهدت أمامها على حمايتها. لكنني لم أفكر في الأمر مليا إلا عندما ذكرته زالين. عندها فقط أدركت أن هناك شيئا غريبا قد حدث. بدى الأمر و كأنه خطط له. و خطر في بالي فجأة أن الفتاة ربما، هي نفسها الصبية التي أحبها إيلات في طفولته. كان ذلك يفسر إنطلاقه المفاجئ إلى المقبر و مساعدته لها فور وصوله. لكنني لم أستطع تفسير سبب إبتسامته التي حاول إخفاءها دون جدوى عندما لحقت به. الحقيقة أنني.. رفضت أن أصدق التفسير الوحيد الذي توصلت إليه، و أقنعت نفسي بأن موت زوج الصبية محض صدفة. و لأريح خاطري من الشك في صديق أهتم لأمره، إرتديت قميصي و هممت بالخروج. نبّهني الحكيم إلى ظهري لم ينهي معالجته بعد، لكنني وعدته بالعودة سريعا ثم إعتذرت.