𐏓𒑆

148 21 2
                                        

نارام

بعد مسيرة ما يقارب شهر و بضعة أيام، وصلنا إلى قرية صغيرة. نصبنا خيمنا خارجها و أعددنا سوقنا المتنقل هناك إستعدادا لاستقبال الزوار.

قضيت صباح يومنا الأول في خيمتي. أخذت قسطا من الراحة ثم جلست أقرأ بضع صفحات من كتاب إقترضته من الحكيم ألّفه بنفسه، و ذكر فيه بعض معتقدات و أساطير سكان بلاده بلغة قال أنها تدعى السنسكريتية، و كتب بضع صفحاته بالأكادية. مررت أصابعي على الأحرف الجميلة و الغريبة عني متمنيا لو أنني كنت أجيد قراءتها فأقرأ الكتاب كله، لكنني لم أتمكن من قراءة سوى الصفحات المعدودة المكتوبة بلغتي.

أدهشتني الأسطورة التي قرأتها عن خلق الكون التي يؤمن بها بعض سكان الهند. كانت أعجب من الأساطير السوماريية و البابلية و القصص اليهودية. ذكر الحكيم في الكتاب ثلاث آلهة. خالق الكون، حافظه و مدمره. حدثني من قبل عن الاله الخالق براهما، و قال أن إحدى الأساطير تقول أنه خلق البشر من جسده، فخلق الكهنة من رأسه، و الملوك من ذراعيه، ثم التجار و المزارعين من فخديه، و بقية الناس من قدميه. أما في الكتاب فقد تحدث عن شيء آخر لم أسمع عنه من قبل. تحدث عن تناسخ الأرواح و عن تناسخ الكون المستمر. يقول أن الانسان عندما يفنى جسده فان روحه تولد من جديد في جسد آخر فتعيش حياة أخرى تلو أخرى بعد كل مرة تموت فيها. و نفس الشيء يحدث للكون، فيخلقه الاله الخالق، و يحافظ عليه الحافظ، ثم يدمره المدمر، ليعيد براهما خلقه من جديد، و هكذا. تساءلت إن كان المعتقدون بتلك الأسطورة يؤمنون بنهاية للكون، أم أنهم على عكس ذلك يعتقدون بتكونه المستمر إلى ما لا نهاية.

أرحت الكتاب على صدري و أنا مستلق أحدق بأحد الأوتاد، أفكر في ما قرأته فتكاثرت الأسئلة في ذهني. ما سبب ذلك الاعتقاد؟ و هل من دلائل عليه؟ أم أنها ليست سوى فكرة تجيب على الأسئلة الكثيرة التي تحيرنا نحن البشر عن حقيقنا، هويتنا، وجودنا، و المعنى خلف وجودنا؟

أثار كل ذلك فضولي و حماسي أيضا لدرجة أنني أحسست بشيء كالفرشات تلعب في أحشائي فتدغدغها بلطف ثم تنتشر في صدري. لم أكن أفهم جيدا سبب إهتمامي بمعتقدات و أساطير الحضارات الغريبة عن حضارتي إلى ذلك الحد، لكنني كنت أعتقد أحيانا أن ما يبهرني حقا هو مجرد معرفتي بكل تلك القصص و الحكايات التي تجعلني أشعر بأنني جزء من كل مكان في هذا العالم الكبير، بل و كل زمن مضى، و تشعرني بأنني جزء من كل شعب و كل إنسان.

غيرت ثيابي و خرجت من خيمتي لأتمشى قليلا. كان السوق مليئا بالزوار منذ يومه الأول، و أكثرهم كانوا يتفقدون ما جاء به التجار من ملابس و حليّ و أواني، و بعضهم يتفرج على العروض في السوق. مررت على خيمة الحكيم لأراه، فوجدت أمامها صفا من الناس كلّ ينتظر دوره. مضيت في السير و قررت زيارته لاحقا بعد أن أنتاول غدائي. و في طريقي إلى خيمة الطاهي لمحت زالين تسدل الستارة على خيمتها بعد أن ودعت آخر زبونة لها. إنتبهت إلي أيضا فلوحت لي. أشارت لي بالاقتراب ففعلت، ثم دعتني لمشاركتها و آثرا وجبتهما بعد أن علمت مني بأنني لم آكل بعد، لكنني إعتذرت منها. "لا أريد.. أن أزعجكما-"

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن