𒁹𒁹𒁹

277 27 1
                                    

إيلات

لم أجدها بعد، و لم يبقى أمامي سوى ثلاثة أيام. تفحصت وجه كل إمرأة صادفتها في طريق ذهابي و عودتي من المعبد، لكنني لم أجد لها أثرا. حتى أنني قصدت منزل والديها و إنتظرتها هناك طويلا مقتنعا بأنها ربما قد تأتي لزيارة أهلها، لكنها لم تفعل. رأيت أباها و أمها. رأيت أحد أخويها و هو يخرج أغنامه. و عندما فقدت الأمل في مقابلتها هناك غادرت عائدا إلى السوق و أنا أفكر فيها. في آخر مرة قابلتها فيها. عند النهر. كنا طفلين صغيرين. تذكرت كم بكيت يومها و أنا أحتضنها. لم أكن أريد السفر مع والداي إلى أي مكان، لكنني في النهاية ذهبت رغما عني و تركتها خلفي في تلك القبيلة اللعينة.

كنت أعلم أنها ستكون ملكا لأحدهم، و ربما تكون قد أنجبت عددا من الأبناء. ربما تكون سعيدة بحياتها أيضا، لكنني لم أكثرث لكل ذلك. أردت أن أراها، أن أحدثها، أن أذكرها بي و بحبي لها و أعانقها عناقا دافئا. توقف نبضي هنيهة ثم عاد يدق في صدري بجنون عندما خطر في بالي أنها ربما قد تكون ميتة. ربما تكون قد دفنت مع مالكها المتوفى منذ سنوات. هززت رأسي طردا لتلك الفكرة و كأنها ذباب مزعج يحوم بقرب أذني ثم أسرعت إلى السوق.

تذكرت فجأة أنني تركت نارام خلفي. ثم تذكرت الصدمة التي تركتها على وجهه فافتر ثغري عن ضحكة ساخرة. لا بد و أنه كان لا يزال واقفا حيث تركته يفكر في تلك السخافات التي شاهدها، و ربما كان يخطط للتدخل بطريقة ما ليساعد أولائك الفتيات. كان ذلك واضحا في عينيه اللتين تصران على رؤية النور وسط الظلام، و الخير في أعماق الشر. كم كنت أكره ذلك فيه، عندما يمثل دور النبي الملائكي المستعد للتضحية بنفسه لأجل الأخرين. و ما كنت أكرهه أكثر من أي شيء، هو أنه لم يكن يمثل. لم يمثل يوما. لطالما كان نبيلا و صادقا رغم القذارة التي تحيط به من كل مكان. كرهت إختلافه ذاك عني، لدرجة أنني كنت أجد نفسي أحيانا أفكر في طريقة أثبت له بها بأنه أيضا مجرد حثالة أنانية مثلي و مثل الجميع. الحقيقة أنني أردت إثبات ذلك لنفسي لعلي أكفّ عن الشعور بذلك الذنب القتال تجاهه. أردت أن أثبت لنفسي أنه وغد آخر يستحق ما فعلته به قبل ثلاث سنوات عندما سلبته أكثر شيء أسعده.

عادت الحياة إلى حيث حطّت قافلتنا، و فتح بعض أفرادها خيمهم إستعدادا لاستقبال الزوار و شرعوا يخرجون بضائعهم من ثياب و حلي و أواني، و إجتمع البعض الآخر في خيمة الطاهي لتناول إفطاهم و هم يتبادلون تحيات الصباح و أطراف الحديث. شققت طريقي بينهم قاصدا خيمة زالين، ثم دخلت من بعد إذنها. وجدتها تكنس و هي في فستان ذي أكمام قصيرة مزركش طويل يلثم جسدها المتناسق، و شعرها مصفف للأعلى على شكل كعكة مبعثرة. ساعدتها على تفريش الأرض و ترتيب وسائد الجلوس لأجل ضيوفها، ثم تربعت على إحداها. جلست أمامي ثم سألتني عن حاجتي، فمددت لها كفي و سألتها إن كانت تستطيع أن ترى شيئا مختلفا. تبسمت ثم حملت كلتا يداي. إطلعت على راحة إحداهما و هي تمرر سبابتها على خط في وسط كفي. إنتظرت منها أن تخبرني بأنها ترى إجتماع شملي بحب قديم، أو أنها ترى فتاة شابة بديعة الجمال تعود إلى حياتي، لكنها بدلا من ذلك قالت: "أرى إنكسارات في خط قدرك."

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن