نارام
مرت سبعة أيام على توقفنا في القرية، و كان علينا الانطلاق في أقرب وقت لنتمكن من الوصول إلى بابل باكرا، فاتفق أفراد القافلة على المغادرة في صباح اليوم التاسع. أما صباح يومنا الثامن، آخر يوم لنا في القرية، فقد قضيته في عملي. قصصت على زوار السوق حكاية نوح و الطوفان العظيم، و بعد أن تناولت الغداء عدت إلى خيمتي حيث كنت أنتظر أثرا كل يوم لنبدأ درسنا.
و أنا في طريقي إليها، لمحتها جالسة على البساط، تضم اللوح حيث نقشت و أعادت نقش الأحرف الأربعة التي علمتها إياها أمس ذلك اليوم. ما أن أقبلت عليها حتى قامت متحمسة لتسلمني اللوح و تسألني عن رأيي. و كالعادة تفحصت الأحرف واحدا واحدا مفتشا عن أخطاء نصححها معا، لكنني لم أجد ما يدعو للتنبيه. تمكنت من إستعمال القلم بشكل أفضل بعد أربعة أيام من إستخدامها له. كانت كل الخطوط الأفقية و العمودية و المائلة في كل حرف محفورة على اللوح بشكل واضح و مثير للاعجاب.
كتبت لها أربعة حروف جديدة و ساعدتها على كتابتها، ثم أعادت كتابتها وحدها. و عندما ملأت اللوح طلبت مني أن أكتب لها كلمات لتحاول قراءتها ففعلت، ثم جلسنا نقرأ الكلمات معا إلى أن إنضمت إلينا زالين، و التي جلست بصحبتنا لبعض الوقت. تبادلت و إياها أطراف الحديث بينما كانت أثرا تقرأ وحدها، ثم إستأذنت لتزور بائعة العطور فانضمت إليها أثرا و غادرتا معا بعد أن ودّعتاني.
لاحقت أثرا ببصري متمنيا لو أنها بقيت معي لمدة أطول، لأحدثها عن أشياء أخرى غير الحروف. منذ اليوم الذي حدثتها فيه عني عندما كنت صغيرا و عن أمي، و أنا أتخيلنا نحكي لبعضنا عن أنفسنا، فأقصّ عليها كل ما أذكره عن طفولتي و عائلتي، عن أصدقائي و عملي، و عن راحيل و ما حدث لي معها، فتقصّ علي هي الأخرى ذكريات من طفولتها عن عائلتها و أختها، عن إيلات و أصدقائها الآخرين، ثم تبوح لي بكل ما عانته في قبيلتها بسبب أهلها و ذاك الذي كان زوجها. أردت بشدة أن أعرف عنها كل شيء. و لو أبسط الأشياء. أن أعرف ما تحب و ما تكره، ما يفرحها و ما يحزنها، ما يضحكها و ما يغضبها. أن أسألها إن كانت تفضل الليل أم النهار، الصيف أم الشتاء، الربيع أم الخريف، تأمل الغيوم و الأشكال التي تصنعها عندما تتحرك ببطء أم النجوم و ما يصنعه بها خيالنا عندما نصلها بخط. أردت أن أعرف ما هي أسعد ذكرياتها، و ما هي أتعس ذكرى، أن أسمع منها قصتها المفضلة عندما كانت طفلة، حلمها الذي تمنت تحقيقه يوما ما، و الحياة المثالية بالنسبة لها.
لسبب ما، كانت تلك أول مرة بعد ثلاث سنوات لم أهرب فيها من مشاعري تجاه فتاة أخرى من بعد راحيل. فتاة كان علي الهرب من مشاعري تجاهها بالذات، لأنها تحب صديقا عزيزا على قلبي. صديق يحبها أيضا. صديق أكره خيانته.
*
كنت أتناول طعام العشاء برفقة الحكيم عندما دعانا ليشار للانضمام إليه و الرفاق. إعتذر الحكيم قائلا بأنه متعب يفضل الخلود إلى النوم، أما أنا فكنت تائقا لرؤية أثرا مرة أخيرة قبل العود إلى خيمتي، فوافقت. و في طريقنا سألته عن إيلات، فم أزره منذ تلك الليلة التي إحتد فيها نقاشنا و لم أراه يخرج من خيمته منذ ذلك الحين.

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Narrativa Storicaنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...