𐏓𒐋

128 19 0
                                        

أثرا

تركتني زالين برفقة أصدقائها. قالت أنها ستطمئن على نارام ثم تعود بسرعة. أردت أن أرافقها لأراه، لكنني لم أشأ أن أزعجهما ففكرت في مقابلته لاحقا عندما تسمح لي الفرصة، لأشكره أخيرا و أعتذر منه على ما أصابه بسببي.

جلست بصحبة العازفين و الراقصتين، أور و إيتانا، بالقرب من النار. قدمت لي إيتانا بعض الطعام و أصرت أن آخذ من حصتها أيضا قائلة بأنني أحتاجه أكثر منها، ثم ساعدتني أور على معالجة و تضميد ذراعي المصابة. كانتا طيبتين جدا معي، و مهما فعلت لأجلهما فلا أظنني أستطيع رد جميلهما.

شربت بعض الماء من كوبي و أنا أراقب لهب النار يتراقص و يتمايل مع اللحن الهادئ الذي يعزفه سام، ثم وضعته جانبا و مسحت على ذراعاي بكفاي لعلي أدفئ جلدي قليلا و أنا أضمّ نفسي. إستنشقت نفسا عميقا حتى أدخلت قدرا منعشا من الهواء الممزوج برائحة التربة و العشب إلى صدري، ثم رفعت رأسي إلى السماء. كانت سوداءا مظلمة لكن مليئة بالنجوم المتلألئة. كانت تلك أول مرة في حياتي أنتبه فيها إلى جمال السماء فسرحت بها لمدة، إلى أن شعرت بثوب دافئ يسدل على ظهري فالتفت. لمحت ملاءة صوفية بيضاء اللون و يدان تثبتانها على كتفاي، ثم إيلات و إبتسامته. و لوهلة، أنستني عيناه ألم الكدمات الذي كان يقرص لحمي منذ لحظة إستيقاظي. جلس بجانبي فبادلت إبتسامته الصغيرة بمثلها و شكرته. أردت بشدة أن أتأمل عينيه لمدة أطول لكنني خجلت من أن أفعل ذلك.

سألني عن ما إذا كنت أشعر بتحسن، فاكتفيت بايماءة سريعة. أحسست بنظراته على وجهي طوال الوقت و نحن نتحدث، تماما كما كان يفعل دائما. يتمعّن في ملامحي فيجعلني أحمر خجلا. عدت طفلة صغيرة في تلك اللحظة. طفلة تخرج من البيت سرا لتذهب إلى النهر حيث تجلس لساعات برفقة طفل لطيف. كان إيلات دائما الأسبق إلى الكلام، و كان ينجح في دفعي للكلام أيضا، لكنني كثيرا ما كنت ألتزم الصمت إرتباكا منه. كان يضحكني أيضا، كثيرا، بقدر ما كان يربكني. و كان يدهشني ببوحه بكل سهولة بما يشعر به و ما يفكر فيه. إعترف لي مرارا بأنه يحبني. حضنني مرة. و قبلني مرة على خدي. أما أنا فلم أعترف له بأنني أحبه سوى مرة واحدة، ثم هربت عائدة إلى البيت.

بدأ ليشار بالغناء. كان يغمض عينيه و يتمايل مع اللحن ببطئ شديد. أحببت صوته. رخيم و عذب يبعث الطمأنينة في النفوس. لم أفهم الكلمات التي كان يغنيها، لكن و من دون أن أفصح عن ذلك أسمعني إيلات معناها بصوت خافت صاحبته بحة لطيفة:

أنا ملكة السماء العزيزة إلى قلبك.
قل لي أين بيتي.
قل لي أين بيتي.
قلي أين بيتي الهادئ.

إلتفت إليه فتعانقت نظراتنا. أردف مفسرا: "إنها قصيدة سومارية قديمة. يقال.. أنها كلمات الالهة عشتار. إلهة الحب و الجمال."

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن