𒐏𒑂

120 12 0
                                        

أثرا

وصنا إلى بابل بعد مسيرة أيام معدودة. كنت بين أفراد القافلة أسير على قدماي عندما أقبلنا على مدخل المدينة التي سلبتني عقلي بعظمتها. و كلما إقتربنا أكثر تبين لي أنها أجمل من الوركاء بكثير.

كانت بابل محاطة بأسوار عال ضخم و يفصلنا عنها نهر هادئ تطفو على سطحه - كما شرحت لي زالين - قوارب يركبها الصيادون و ناقلوا البضائع. و نحن نعبر الجسر إلى مدخل المدينة، شاهدت عن كثب القوارب التي تتحرك على الماء كلما جذف ركابها بالعصي، ثم تأملت ما بدى لي من خلف السور من بنيان شاهق فازداد حماسي و رغبتي في زيارة كل ركن من أركان المدينة. تخيلت أسواق بابل و بيوتها، حدائقها و معابدها حتى قبل أن أراها، فبدت في خيالي مشابهة لما رأيته في الوركاء، لكنني كنت واثقة من أنها أعجب بكثير و تفوق خيالي.

دخلت فتجلى أمامي منظر أذهلني عن نفسي و كل الذين كانوا من حولي، حتى أنني لم أنتبه إلى اللحظة التي توقفت فيها عن المشي، و لا إلى اللحظة التي حطّت فيها القافلة. نسيت تعب السفر فجأة و تلاشى إرهاق مسيرة أكثر من نصف يوم التي أضعفت ساقاي و كل بدني. إنبهرت بما أبصرته من أشجار النخيل الطويلة التي تزين الحدائقة المخضرة و الملونة على جوانب الطرقات البيضاء النظيفة و التي بدت و كأنها كنست جيدا ثم صبغت. مرّ علينا الناس ذهابا و إيابا، يدخلون أو يخرجون من الأبواب الكثيرة التي تحيط بالجزء الذي دخلناه من المدينة. كانت على أجسامهم ثياب مختلفة الأشكال و الألوان، بعضها يشبه ما يرتديه أفراد القافلة و ما يبيعونه و البعض الآخر أعجب و أجمل.

همت بمنظر إمرأة تحمل يد طفل و هما يمران أمامي. كانت ترتدي فستانا أحمرا ياقته مطرزة بلون أصفر، و الجزء السفلي مزين بما يشبه ريشا بعضه أبيض و البعض الآخر أخضر زينوني اللون أو أصفر. و كان نصف شعرها مجموع على شكل كرة مزينة ببعض الحلي، و بقية خصلاتها الطويلة متناثر على ظهرها و كتفيها. تبسمت ثم لوحت لنا و هي تقول شيئا لطفلها الصغير فلوح هو الآخر مبتسما و هو يسير بنشاط في قميصه الأزرق الداكن البسيط و يقفز بين كل خطوتين. لوحت لهما أيضا و أنا أراقبهما يدخلان أحد الأبواب. لوهلة شعرت و كأنني دخلت عالما جديدا لا أعرف عنه شيئا. عالم ساحر كنت على أتم الاستعداد لاستكشفه.

نادى نارام باسمي فاستدرت إليه. سألني: "هل سترافقين زالين؟"

ردّت عليه زالين و هي تنزل أمتعتها من ظهر جمل ليشار: "دعوتها للعيش معي و النساء في الميتم." أردفت موجهة بقية كلامها إلي: "هذا إذا كنت تريدين ذلك بالطبع."

شعرت بيده تلمس مرفقي ثم تهرب عندما إلتفت إليها. "أردت فقط أن أخبركي بأنني.. سأقضي بضعة أسابيع مع والداي، و سيكون بيتي فارغا.. و يمكنك المكوث فيه إن أردتي."

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن