𒐐𒐼

100 11 0
                                        

نارام

رفضت تصديق قصة قايين و هابيل عندما سمعت بها لأول مرة، و إستمررت في رفضي غير مقتنع بأنه من الممكن لأخ أن يقتل أخاه بسبب الحسد. لم أصدق أن من الناس من يستطيع أن يؤذي غيره لسبب كذاك. لكن ما إكتشفته غيّر رأيي. أدركت أن الأمر ممكن جدا. أدركت ذلك متأخرا. أدركته و أنا قاعد أمام قدر حساء في جوف الفرن في مطبخ إيلات، قاعد في نفس المكان الذي جلست فيه يوم تركتني راحيل. يوم جئت لأزور صديقا لعله يواسيني. يوم أفرغت كل ما ضاق به صدري، بينما كان هو يقف بجانبي يصغي إلي في صمت. لم يقل شيئا. و لا كلمة واحدة. لم أفهم كيف سمحت له نفسه يومها بالتصرف و كأن شيئا لم يكن، و كأنه لم يكن السبب في ما أصابني.

أعادتني يد لطيفة هزّت كتفي إلى أرض الحاضر فقمت مستديرا إلى صاحبتها.

سألتني: "هل أكلت؟"

"تناولت.. بعض الفواكه.."

حدّقت طويلا بوجهها الذي إصفر لونه و أنا مفتوح الثغر، أحاول أن أجد شيئا أقول لعلي أبقيها معي لبعض الوقت. كانت تبدو قلقة جدا عليه. تمنيت لو أنها كانت قلقة علي أيضا. لوهلة أردتها أن تقلق علي وحدي، رغم أنها لم تكن تعرف شيئا عن ما يحزنني.

قلت أخيرا: "هل أوصلك إلى البيت؟"

"لا بأس.." ترددت لبعض الوقت قبل أن تقترح علي: "لما لا تعود أنت إلى البيت و ترتاح قليلا، و أنا سأبقى مع إيلات."

لم أجبها على إقتراحها. كنت مستغرقا في التفكير بالبوح لها بكل ما أحس به كلما رأيتها، و لم يمنعني من ذلك سوى خوفي من أن أشغل بالها بمشاعري. لم أفكر في إيلات، و لا في ما قد يعتقده أو يقوله عن الأمر، و لم أرى الأمر خيانة له. ليس بعد ما فعله.

كان علي أن أفعل ذلك منذ البداية، و أفكر في نفسي أولا دائما. أخطأت عندما صدقت أنني قادر على مساعدته بالتخلي عن ما أرغب فيه لأجله كل مرة، بالتراجع و إفساح الطريق له، ليحصل على ما يرغب فيه. فعلت ذلك كثيرا معه و مع غيره، لكنني بعد ما إكتشفته أدركت أن بعض الناس لا تشكر و لا تشبع، و إذا إمتلكوا شيء سعوا للحصول على آخر، ثم آخر. لم تكن المشكلة تكمن في السعي نحو الأهداف، المشكلة تكمن في الطرق القذرة التي لا يخشى بعض الناس سلكها للحصول على ما يرغبون فيه، حتى و إن كان الثمن حياة الآخرين.

قالت عندما طال إنتظارها: "لا تقلق على إيلات. سأبقى بجانبه اليوم. يمكنك الذهاب."

أومأت موافقا ثم إتجهت نحو الباب، فتبعتني. و قبل أن أخرج ألقيت عليها نظرة أخيرة و قلت: "خذي قسطا من الراحة أيضا."

"سأفعل."

تمنيت لو كنت أكثر جرأة فأعود إلى الداخل لأحضنها و لو للمدة قصيرة، لكنني أغلقت الباب خلفي هاربا من مشاعري مرة أخرى، و إنطلقت مبتعدا عن البيت، قاصدا الميتم.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن