𒎙𒈫

117 16 0
                                    

إيلات

أضاءت الشمس الدنيا منذ ساعات لكنني كنت لا أزال متوسدا ذراعي، أحدق بآخر شمعة و هي تنطفء. ربما غفوت لبعض الوقت لكنني شعرت و كأنني لبثت مستيقظا طوال الليل. كنت أراها مرارا و هي تدفعني بعيدا عنها. كانت خائفة مني. ترتعد و هي تبتعد عني. إنتظرت حلول الصباح بفارغ الصبر لأسرع إليها و أتأكد من أنها بخير. لكن ما أن أصبح الصباح حتى تراجعت و فضلت عدم مقابلتها. خشيت أن تراني فتتفاداني أو تهرب مني. خشيت أن أرى تلك النظرة على وجهها مجددا، ذلك الفزع الذي هزّها بالكامل فأكره نفسي أكثر من ذلك.

نادى علي صوت ليشار من خارج الخيمة لكنني لم أحرك ساكنا. دخل ثم وقف عند قدماي في صمت لمدة قبل أن يهمس باسمي و يسألني: "هل أنت مريض؟ هل أنادي على الحكيم؟"

إستلقيت على ظهري لأتمكن من رؤية ملامحه القلقة. "لا، لا. لا داعي لذلك. أنا بخير."

مد كفه إلى جبيني متحسسا حرارتي. "أنت واثق؟ تبدو متعبا."

قمت جالسا و أنا أمسح وجهي. "أنا بخير. لم أنم جيدا ليلة أمس. هذا كل ما في الأمر."

إقترح علي و هو يطوي ثوبا من ثيابي التي كانت مرمية على الأرض: "لما لا تأخذ قسطا من الراحة اليوم؟ سأخبر الزوار أن يعودوا غدا."

قمت و باشرت في جمع فراشي. "لا. لا تفعل. سأفتح الخيمة بعد قليل."

وضع الرداء المطوي بين أغراضي ثم أعانني على جمع و ترتيب الخيمة. و عندما إنتهينا ربت على ظهري قائلا: "إذا كنت بحاجة لتتحدث مع أحدهم فأنا هنا لأجلك. نحن جميعا هنا لأجلك يا إيلات. نحن أصدقاءك. لا تنسى ذلك."

تبسم لي ثم إنصرف. غادر قبل أن أشكره. غادر لأنه كان يعلم أنني مهما كنت ممتنا فلن أنطق بكلمات الشكر. كنت أكره ذلك في نفسي أحيانا. عدم قدرتي على شكر من يهتمون لأمري، و لا الاعتذار ممن آذيتهم. كنت أحس و كأنني أدوس على جزء مني عندما أفعل أيا من الأمرين، و كأنني أجعل من نفسي أضحوكة. لكنني كنت مستعدا لأعتذر من أثرا آلاف المرات حتى و إن كنت سأبدو تافها أمامها. كنت مستعدا لأفعل أي شيء لتسامحني، و لأرى ضحكتها مجددا.

رتبت وسائد الجلوس و أعددت ما أحتاجه في عملي، ثم تربعت بين الشموع لبعض الوقت قبل أن أفتح خيمتي للزوار، أفكر في ما يجب علي القيام به حيال أثرا. إقتنعت لبرهة بأنني خسرتها بسبب ما فعلت. بسبب إندفاعي و جوعي و رغباتي التي لم أحسن يوما التحكم فيها. خسرتها كما خسرت نارام بسبب حسدي، و كما خسرت زالين بسبب تكبري. لم أفكر فيها و لا في ما تريده هي. بل لم أسألها حتى. أرحت جبيني بين كفاي ثم زفرت زفرة طويلة. كنت أدرك أنني إذا إستمررت على تلك الحال فقد أخسر الجيمع من حولي يوما ما، و سأبقى وحيدا مع الشياطين التي تسكن رأسي حتى تقتلني بسوساتها اللعينة.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن