نارام
كنت في غرفة الدرس أجمع الألواح الطينية بعد أن غادر الأطفال عندما دخلت أمي لتذكرني بحضور الوليمة العائلية مساءا. أخذني مشهد زيارتها لي بأيام من الماضي كنا نزور فيها بعضنا البعض خلال الاستراحات. أيام جميلة تقاسمتها و أمي مع راحيل. مع أول إمرأة أحببتها حبا لا يوصف. إمرأة تقبلت فراقها أخيرا فصارت ذكراها تسعدني أكثر مما تؤلمني.
ساعدتني على ترتيب الألواح في رفوف الخزانة و نحن نتبادل أطراف الحديث عن يومنا و كيف مرّ، ثم عن الوليمة.
سألتها: "هل دعوتي أثرا؟"
"دعوتها أمس عندما ذهبت إليها لتجربة الفستان الذي صنعته لأجلي."
تبسمت و أنا أكنس الأرض، مسترجعا آخر مرة رأيتها فيها. كان ذلك قبل بضعة أيام. كانت مشغولة جدا بتعلم فن التطريز و متضايقة بسبب الصعوبات التي تواجهها، فحاولت أن ألهيها عن ذلك و حدثتها عن الأرواح و إمكانية تناسخها. إستعرضت عليها حواري مع الحكيم عن الموضوع من بدايته إلى نهايته، فانبهرت بحديثي.
سألتها: "كيف تريدين لحياتك أن تكون، إذا منحت روحك فرصة ثانية في العيش في هذه الدنيا؟"
أسندت ظهرها إلى جذع النخلة في حديقتنا و رفعت عينيها إلى السماء و ضحكة عريضة فاتنة من دون صوت تزين محياها و هي تجيبني: "لا أدري.. حياة هادئة.. سعيدة و آمنة.. حياة لا أذوق فيها طعم الرعب و التعاسة.."
شعرت بمرفق أمي يهز ذراعي لحظة مررت بجانبها فتوقفت. وضعت أخر لوح في الرّف العلوي ثم إستدارت إلي. "هل سألتها؟"
"سألتها ماذا؟"
"إن كانت تقبل أن تتزوجك؟ ألم تقل بأنك تريد أن تعرف رأيها في الأمر؟"
"لم أستطع. كلما حاولت أن أحدثها في الأمر أتذكر زواجها السابق. لا أظنها سترغب في زواج آخر."
"أنت تعلم أن ما يفعلونه في قبيلتهم ليس زواجا. و أثرا أيضا تعلم ذلك جيدا." شرعت تجمع الأقلام في السلة المخصصة لها و هي تضيف: "على أي، إن كنت تظن أن الوقت ليس مناسبا فلا بأس. إفعل ما تشعر بأنه الشيء الصحيح يا بني." ناولتني السلة ثم ضمّتني ضمّة جانبية. "سأذهب الآن. أراك مساءا. لا تنسى أن ترتدي ثيابا أنيقة."
طبعت قبلة على رأسها. "بالطبع سأفعل."
*
و أنا أقبل على باب بيتي، لمحت إيلات قادما من بعيد. جاء يزورني بعد مدة غبنا فيها عن بعض. كنا نزور بعضنا البعض من حين إلى آخر، و حاولنا جاهدين أن نضع كل ما جرى خلفنا و نعود صديقين كما كنا. نجحنا في ذلك نوعا ما، إلا أننا كنا نتفادى الحديث عن أثرا كلما إجتمعنا. كنت أحسّ أحيانا و كأنني السبب في فراقهما، رغم أنها من إختار البعد عنه. ظننت أنني سأكف عن الاحساس بأنني مدين له بعد كل ما حصل بيننا، بعد كل ذلك الغضب الذي شعرت به تجاهه، لكنني لسبب ما لم أستطع. ربما لأنني كنت لاأزال أرى فيه ذلك الغلام المفزوع الملطخ بالدماء و المتكور على نفسه عند جدار بيت والداي.

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Ficção Históricaنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...