الساحر و الراوي

𐏓𒑄

أثرا

قضينا أيام و ليالي عديدة في الطريق. كانت مرهقة لكن لم أمانع أن تكون كذلك. كنت حرة كما لم أكن من قبل، و ذلك التعب مقارنة بالثمن الذي كنت أتوقع دفعه لم يكن بالكثير أبدا. كما كان جسمي يتحسن مع مرور الوقت، و بدأت جروحي تتلاءم و إصاباتي تشفى. كان الحكيم يتفقد حالي كل يوم تقريبا و يعالجني بأدويته و أعشابه. و كانت زالين تعتني بي طوال الوقت و لا تفارقني إلاّ عندما تضطرّ لذلك، و حتى عندما تفعل، فانها تتركني مع أور، أو إيتانا أحيانا، و كانتا تهتمان بي تماما كما تفعل. كنت مسرورة جدا بقضاء وقتي معهن. و رغم أنني لم أكن أتحدث كثيرا، إلا أنهن كنّ يشاركنني في أحاديثهن التي تعلمت منها لكنتهم و معاني الكلمات الكثيرة التي يستخدمونها في كلامهم. كنّ يرسمن الضحكة على وجهي كل يوم، لكن ما أن يخيم الظلام و يخلد الجميع إلى النوم حتى تختفي تلك البهجة، فأبقى وحيدة مع ذكرياتي المؤلمة.

نادرا ما كنت أنام نوما هادئا. و كثيرا ما كنت أستيقظ وسط الليل مفزوعة، أتصبب عرقا بسبب الكوابيس التي تراودني. مات ذلك المتوحش و لم يعد له وجود، لكنه لا يزال حيا في أحلامي، لا يزال يعذبني و يجعلني أصرخ و أتألم فأستيقظ مذعورة و أنهار باكية. ربما تركت القبيلة و أهلها، لكنهم كانوا أيضا يطاردونني في أحلامي، و كانوا ينجحون في الامساك بي و دفني كل مرة، فأستفيق منتفضة و أنا ألهث و كأنني إختنقت حقا بتلك التربة التي رأيتهم يرمونها على وجهي في الكوابيس، فأجلس وأضم ساقاي إلى صدري حتى أهدأ، ثم أعود للاستلقاء لعل النوم يأخذني في حضنه مجددا.

لم أخبر زالين بالأمر. لم أشأ أن ينشغل بالها علي أكثر مما هو منشغل. ظننت في البداية أن الكوابيس ستختفي يوما ما قريبا، لكنها إستمرت في تعذيبي. كان ذلك منهكا جدا فأخبرت الحكيم بالأمر عندما جاء ليطمئن على حالي في أحد الأيام. سألني عن ما الذي كنت أراه في نومي فرويت له بعضها. نصحني بالتحدث عن ما جرى معي في حياتي مع شخص أرتاح له، و إقترح علي الحديث مع زالين أو معه إن كنت أرغب في ذلك. و شرح لي أن الحديث عن ما يؤلمني قد يكون صعبا علي لكنه قد يشعرني بتحسن، لأنني سأكون قد أفرغت صدري و ما أحمله فيه من أوجاع. لم أكن متأكدة من قدرتي على القيام بذلك. لم أكن أريد العودة بذاكرتي إلى طفولتي أو إلى يوم إختارتني ألهة القبيلة لأكون ملك هيد، أو إلى الأيام التي عشتها معه. كل ما كنت أتوق إليه هو نسيان كل ذلك، و لا أظن الحديث عن كل تلك الحوادث سينسيني أي شيء. لم أقل شيئا، لكنه علم بمجرد النظر إلي بأنني لم أكن مقتنعة بذلك، فمسد على رأسي بلطف بعد أن إنتهى من معالجة إصاباتي قائلا بأنني لست مجبرة على الافصاح عن أي شيء إذا لم أكن راغبة في ذلك، و إقترح علي أن أتعلم شيء أشغل به بالي، فربما يساعدني ذلك. إقترح علي أن أتعلم قراءة الكف من زالين أو الكتابة من نارام، أو عزف القيثارة من سام، أو الغناء من ليشار أو الرقص من أور و إيتانا. و قال أنه مستعد لتعلمي كل ما يعرفه عن الأعشاب و صناعة الأدوية إن كنت أرغب في ذلك. إستغربت من عدم ذكره لإيلات و لا لسحره، ثم تذكرت ردة فعل إيلات و هو يعترف لي بأنه لا يحب التحدث عن السحر. فخطر في بالي أنه ربما هناك شيء خاطيء في الأمر. شيء مريب.