الساحر و الراوي

𒌍𒐼

نارام

أدخلت بساطي إلى الخيمة ثم عدت لأخذ سلتي من أثرا فسألتني إن كنت متفرغا لأعلمها الكتابة. طلبت منها أن تنتظر لحظة ثم رجعت إلى خيمتي حيث تركت سلتي و أخرجت قلما للطّبع.

"هيا بنا."

إستغربت: "إلى أين؟"

"لتعلم كتابة بعض الحروف." ثم سبقتها فلحقت بي.

دخلنا القرية و أخذنا نتجول في صمت بين البيوت و الدكاكين عندما أمسكت بكمّ قميصي و هزّته هزّة خجولة. "ما حاجتنا.. إلى مغادرة السوق المتنقل؟"

ناولتها القلم و نحن نسير: "للكتابة نحتاج قلما للطّبع،" أشرت إلى متجر الفخاريات الذي أقبلنا عليه. "و لوح من الطين حيث يتم طبع الحروف." تبسمت لها.  "بهذه الأدوات أعلم الكتابة للأطفال في بابل."

تقدمنا معا و ألقيت السلام على الفخاري القاعد في قلب دكانه، يصنع وعاءا من عجين الطين. قام من مجلسه و هو ينظف يديه بمنديل، مرحبا بنا. "بماذا أساعدكما؟"

"أحتاج لوحا من الطين للكتابة. هل يمكنك صناعة واحد لأجلنا؟"

"لدي عجين جاهز إن كنت تريده."

عاد إلى مكانه و دلك كرة من عجين الطين و جعل منها لوحا صغيرا ثم قدّمه لي. "هل تكفي؟"

"تكفي و تزيد." دفعت له ثمن اللوح و شكرته ثم إنصرفنا.

مررنا على حقل صغير في طريق عودتنا فاقترحت على أثرا: "ما رأيك بالجلوس هنا؟"

وافقت، فاتخذنا مقعدا لنا تحت شجرة من الأشجار المصفرة المتفرقة في المكان، بعيدا عن الأطفال الذين يرتعون في جهة، و المزارعين الذين يحصدون في جهة أخرى. نظفت و ضغطت على سطح اللوح بباطن كفّي ثم أخذت القلم من أثرا قائلا: "فلنبدأ بالأرقام أولا."

دنت مني عندما ضغطت بالقلم على اللوح لتتمكن من رؤية ما كنت أقوم به عن كثب. "هذا رقم واحد. مستقيم يشبه المسمار في شكله." تابعت نقش الأرقام الأخرى و شرحها لها حتى الرقم عشرة. "ما رأيك أن تجربي الآن؟"

ناولتها اللوح و القلم فقلّدت طريقة حملي لهما، ثم باشرت في نقش أول حرف لها. إرتجفت يدها قليلا و تقرب القلم إلى اللوح و كأنها تخشى إفساد العجين، بينما كانت بؤبؤتاها تتحركان كثيرا، تختلسان النظر إلى ما نقشته مرارا ثم تعودان إلى ما تكتبه هي. مددت يدي إلى يدها طالبا إذنها: "هل أسطيع مساعدتك؟"

أومأت لي فأمسكت يدها، وضعت إبهامي على إبهامها الذي يتحكم بالجزء العلوي للقلم ثم ضغطت عليه لأطبع الحرف على الطين. "هكذا." ثم تركتها تحاول وحدها مردفا: "لا بأس إن أخطأتي. يمكننا مسح الأخطاء، لذلك لا خافي من إرتكابها."