𒐏𒈫

92 11 0
                                        

أثرا

كنت أنتظر منه أن ينتهي من توديعها لأودعها أيضا، فرأيتهما يتبادلان قبلة شغوفة. قبلة مثل التي تشاركناها أنا و إياه في تلك الليلة. قال بأنه لا يحبها لكن ما أبصرته في تلك اللحظة جعلني أشك في صدقه. كيف يقبلها كما قبلني إذا لم يكن يحبها. أو ربما كما شككت من قبل، لم يكن يحب أيا منا أصلا. تساءلت مجددا عن معنى الحب، عن معنى لمسة يتشاركها شخصان من دون أن يحب واحد منهما الآخر، أو من دون أن يحب أي منهما الآخر.

إستدار ليغادر عندما تركته فتعانقت نظراتنا. من بعيد، بدت ملامحه ثابتة هادئة لكنه مسح على جفنيه بحركة سريعة و كأن الدموع سالت منهما و غادر مسرعا. حاولت أن لا أتدخل لكنني لم أطمئن لحاله فلحقت به في نهاية المطاف.

أفصح لي عن الذنب الذي يحسّه تجاهي و أور بسبب تلك الليلة، ثم عن الذنب الذي يشعر به تجاه زالين و نارام أيضا. لم أكن أعلم ما الذي جرى بينه و نارام لكن الأمر أقلقه أكثر من أي شيء آخر، فحاولت أن أهدئ من روعه. لم أدرك من قبل أنه كان يتعذب إلى تلك الدرجة. كان يتألم بقدر ما آلمني و أكثر و كأنه جرح نفسه عندما جرحني، و كأنه حطّم نفسه بما فعله بالآخرين. أردت أن أخفف من ألمه فحضنته. إعتذر و تأسف و أكرر إعتذاره و أسفه. لو علمت كم كان كئيبا و وحيدا لما تركته طوال تلك المدة. لو أنني عرفت.. لمنحته بعضا من وقتي.

نصحته أن يذهب و يرتاح قليلا قبل أن ننطلق فاكتفى بايماءة صغيرة ثم غادر. راقبته متنهدة و هو يجر قدماه و كأنها ثقيلة ثقل الصخور إلى أن إختفى بين الواقفين و المشاة من أفراد القافلة و دوابهم، ثم تركت موقفي أيضا عائدة إلى حيث كنت أنتظر دوري لأودّع أور فوجدتها هناك مع زالين، متعانقتان تتبادلان كلمات الوداع. أقبلت على الراحلة عندما إفترقتا فتبسمت لي.

قالت: "أرجوا أن تكوني قد سامحتني من أعماق قلبك على ما فعلته يا أثرا."

"سامحتك. و أرجوا أن تسامحني أيضا. أعلم كم تحبين إيلات.. و بسببي-"

"لا تقولي ذلك. لم تفعلي شيئا لتعتذري."

فتحت ذراعيها طلبا للتبادل عناق أخير فارتميت في حضنها. رغم أنها منعتني من الاعتذار إلا أنني كنت أدين لها بأكثر من إعتذار واحد. سرقت منها حبها قبل أن أظهر في حياته، و عندما ظهرت، أخذته منها تماما. كنت سببا من أسباب رحيلها. أنا من طردها و سلبها عشقها ثم جعلتها تصدق أنها المختطأة فجاءت تلتمس الصفح مني.

همست لها متمنية في سري أن تقبل شكري على الأقل: "أريدك أن تعلمي أنني ممتنة لك على وقوفك معي أنت و إيتانا و زالين عندما إحتجت المساعدة. و أتمنى من كل قلبي لو أنني أستطيع رد جميلك بطريقة ما."

"لا تقولي ذلك. لم أساعدك طمعا في أن تردي لي الجميل." ضمّت يداي في يديها. "يكفي أنك بخير الآن."

تمنيت لها حياة سعيدة، فتمنت لي نفس الشيء، ثم حملت أمتعتها و لوحت لنا و لرفيقتها في الرقص و العازفان مودّعة ثم إنطلقت قاصدة باب المدينة. باب ضخم مفتوح على مصرعيه لفت ما ظهر خلفه من بنايات شاهقة إنتباهي عن كل شيء كان يجري من حولي فجأة. فتخليت دخول الوركاء و زيارة كل شيء تخفيه بين أسوارها. تخيلت أسواقها و ما فيها من مأكولات و مشروبات و ملابس و حلي و أواني. كنت متأكدة من أن كل شيء هناك سيكون بديعا و مميزا مثل كل شيء أتت به القافلة من بابل إلى قبيلتنا الصغيرة.

إقترب أحد التجار منا و أخبرنا بأننا سنقضي الليلة هناك ثم ننطلق في الصباح الباكر فدقّ قلبي فرحا كاد يجعلني أقفز من مكاني، لكنني نجحت في تمالك نفسي ثم سألت زالين إن كان بامكاننا زيارة المدينة قبل حلول الظلام، فوافقت.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن