نارام
بدأت بقصة خلق الانسان اليهودية قبل السومارية و البابلية ذلك اليوم. قصة آدم وحواء. و ما أن شرعت في السرد حتى إجتمع الكثيرون من حولي، فتربع الصغار أمامي و وقف البالغون خلفهم. كانت عيون الأطفال تتسع مع كل وصف أصف به جنة عدن و كل حدث أحكيه. بدوا مندهشين و عيونهم البريئة تلمع فضولا رغبة في معرفة المزيد عن بداية خلق الرب للانسان. ذكروني بتلامذتي اللذين تركتهم خلفي في بابل، و ذكروني بكم كنت أعشق التعليم و التدريس.
ألقيت نظرة على الكبار أيضا، لكنني لم أرى الانبهار و لا الفضول لمعرفة المزيد. كانت وجوههم عبوسة، مقطبة أو مكشرة، جعلتني أفكر في التوقف عن سرد الحكاية مرارا، لكن فتاة حسناء كانت واقفة بينهم أنستني الشرر الذي كانت ترميني به أعينهم. تلعثمت و توقفت عن الكلام لوهلة. بدت متعبة و حزينة جدا، على إحدى وجنتيها كدمة إزرق لونها، و جسدها ملفوف بأكمله بثوب أزرق داكن باهت، و لم تكن تكشف عن ذراعها الموشومة كباقي النسوة. أطرقت برأسها فجأة فغطى شعرها البني المموج الطويل المسدولا على كتفيها كل ملامحها ثم تراجعت و إلتفتت إلى صبية بجانبها، همست لها بشيء ما ثم غادرتا. حاولت أن أعيد كل تركيزي إلى القصة لأنهيها، لكن جزء مني رفض نسيان وجهها فانشغلت بأمرها، بمن تكون، بسبب مغادرتها المفاجئة، بسبب كل ذلك الحزن على محياها و الكدمة تحت عينها.أكملت الحكاية بشق الأنفس تحت نظراتهم الساخطة، و كنت أنوي التوقف عند ذلك الحد و العودة إلى خيمتي، إلا أن سؤال أحد الأطفال منعني. إستفهم عن من يكون الرب الذي تحدثت عنه، فتبسمت له ثم أجبته نفس الجواب الذي إعتادت راحيل أن تجيب به من يسألها عن ربها. جواب نقشته في عقلي مثلما نقشت فيه ذكرى فراقنا المؤلمة. "الربّ هو الاله الواحد الأحد. هو خالق الكون، خالق السماء و الأرض، الليل و النهار، الشمس و القمر و النجوم. الربّ خالقنا جميعا و خالق كل شيء بكل بساطة. هو العليم بكل الشيء، القادر على كل شيء، و الحاضر في كل مكان و زمان."
إستفسر غلام من بين الواقفين: "وما الذي قصدته بالروح؟"
"هي ما نفخه الرب في جسم آدم و جسم كل واحد منا لنحيا." شرحت أكثر بعد أن أبدى الغلمان إهتمامهم بكلامي: "هناك من يعتقد أن الروح هو الجزء المسؤل عن أفكارنا و أحاسيسنا و رغباتنا أيضا، و هناك من يعتقد أنها كيان مختلف تماما. كما أن هناك من يؤمن بأن الروح خالدة لا تفنى مع فناء مركبها، أي الجسد، و هناك أيضا من يظن أنها تفنى مع الجسد. لكن خالقها وحده أعلم بماهيتها."
قالت إمرأة متعثرة في حديثها: "قلت أن الرب.. خلق آدم و خلق من روحه.. روح حواء. و من روحهما.. خلق رجالا و نساءا." أومأت لها فأردفت: "هل تقول أننا.. كلنا أرواح متشابهة.. أقصد.. لا أحد منا.. أعظم.. من الآخر؟"
أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historical Fictionنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...