نارام
دعتني زالين لتناول طعام العشاء معهما فقبلت دعوتها غافلا عن الارتباك الذي قد أسببه لأثرا. الارتباك الذي سببته لها بالفعل، فلقد كانت صامتة على غير عادتها. و حتى بعد العشاء عندما جلست أعلمها أحرفا جديدة، لم تنظر إلي إلا نادرا. كانت لا تزال منحرجة بسبب تلك القبلة. شعرت و كأن علاقتي بها عادت إلى بدايتها، إلى أول يوم إلتقينا فيه، و خشيت أن يغير ذلك من تعاملها معي لبقية الرحلة. لم أكن أريدها أن تنحرج أو ترتبك مني، أردتها أن تحس بالارتياح بصحبتي و تعود إلى ما كانت عليه قبل الليلة التي ثملت فيها.
سرقت القلم من يدها برفق لعلي أجعلها تنظر لي لكنها لم تحرك ساكنا. "هل يمكننا التحدث خارجا؟"
تعثر لسانها في الاجابة فسكتت و وافقت بهزة سريعة رأسها. تزامن نهوضنا مع دخول زالين و في يدها أطباق مغسولة نظيفة. وضعت الأواني مستغربة و هي تمسح يديها بالمنديل. "إلى أين؟"
"سنتمشى قليلا قبل أن أعود إلى خيمتي."
أفسحت لنا الطريق. "حسنا إذا. تصبح على خير." ثم أضافت قبل خروجنا: "إستمتعا بموعدكما الصغير."
تظاهرت بأنني لم أسمع شيئا و خرجت قبل أن تحرجنا أكثر مما نحن منحرجان من بعض، أما أثرا فبدت و كأنها لا تسمع شيئا، شبه شاردة و كأنها غارقة في أفكارها.
سرنا معا حتى إبتعدنا قليلا عن الخيمة ثم قلت: "إن كنت.. لا تزالين منحرجة من ما جرى ليلة أمس.. فلا داعي لذلك."
توقفت عن المشي و هي تنظر إلى كل شيء و كل مكان ما عداي. لم أقل شيئا و إنتظرتها إلى أن تحدثت. "أنا.. آسفة.. مجددا.. على ما فعلته."
أجبتها في سري. لا تعتذري. لم تزعجني بقبلتك، بل على العكس تماما تمنيت لو أنك قبلتني بكل وعي منك لأشاركك أيضا. كم كنت تائقا للبوح لها بذلك، لكن بدلا من تلك الكلمات الصادقة أكثر من اللازم قلت: "لا بأس يا أثرا. صدقني. لا يزعجني الأمر أبدا. و أرجوا أن لا يزعجك أيضا." أردفت بعد سكوت، متسائلا، خائف بعض الشيء من جوابها. "هل يزعجكي.. أنك.. فعلتي ذلك؟ أقصد-"
قاطعتني و هي تضم يديها إلى صدرها: "لا. لا. لست.. منزعجة. أنا فقط..." حجبت كل ملامحها بكفيها. "لا أدري.. ما كان علي أن أشرب.."
تبسمت ضاحكا. "لا بأس. فلننسى الأمر. ما رأيك؟" أومأت دون أن ترفع عينيها عن الأرض. "فلنعد كما كنا، نتحدث عن مواضيع مختلفة و نحن مرتاحان بصحبة بعض. إتفقنا؟" مددت لها يدي طلبا لمصافحتها فانبسطت أساريرها أخيرا ثم أمسكت بها. هززت يدها هزّت صغيرة. "صديقان؟"
ضحكت فبادلتها بمثلها، أو ربما بأوسع منها بكثير. لم أعد أذكر. بل لم أنتبه لنفسي. خفق قلبي لصوت قهقهاتها الظريفة الخافتة فاختفت كل الأصوات من حولي. صوت أقدام الماريين و الوشوشات و الكلام و الضحكات البعيدة. لم أعد أسمع سواها. لم أعد أرى سواها. و لم أعد أشعر سوى بكفها الصغيرة في كفي. و عندما أدركت أنني أطلت الامساك بيدها، أفلتها في تردد فسحبتها إليها و ضمت بها ساعدها. تمنيت لها أحلاما سعيدة و تمنت لي نوما هنيئا ثم غادرت.

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historical Fictionنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...