إيلات
لم تعد. رحلت و إنتهى الأمر. كان ذلك درسا لأصبح أكثر إمتنانا بعد أن كنت طيلة حياتي وغدا أنانيا لعينا لا يكترث لأحد غير نفسه. كان علي أن أحطم نفسي كي أستيقظ، و الغريب في الأمر أنني حطمت نفسي عندما حطمت نفوسا أخرى و قلوبا غير قلبي.
رافقني نارام في الطريق عندما غادرنا الوركاء، تناول معي الطعام عندما حططنا و أخذ قسطا من الراحة في نفس المكان الذي إرتحت فيه قبل أن نكمل السير معا. و حتى عندما خيم الظلام و خلدت إلى النوم، أشعل النار لأجلي ثم فرش مكان له بجواري و بات الليلة بصحبتي. و طوال ذلك اليوم لم أنبس بكلمة فلم يقل شيئا أيضا، لكنني مع كل لحظة مرّت، كنت أفكر في الاعتراف له بما فعلته به و براحيل. أردت منه أن يعرف، أن يغضب مني، أن يصرخ في وجهي و يلكمني لو شاء. لم يعد هدفي أن أثبت له أو لنفسي بأنه أيضا حثالة قذرة مثل الجميع، و لا أن أقنع نفسي بأنه يستحق ما فعلته به. أردت أن أعاقب على خيانتي له و بشدة، لعل الذنب الذي صار يخنقني أكثر من ذي قبل يخف قليلا. الذنب الذي كبتّه بداخلي و أنكرته لسنوات فانفجر في أعماقي في النهاية و دمرني و سبب فوضى لم أتمكن من السيطرة عليها. لم أعد قادرا على التهرب من الأمر. بل لم أعد أرغب ذلك.
رافقني نارام في اليوم التالي كذلك، و إنضمّ إلينا العازفان أيضا. حاول الثلاثة مشاركتي الحديث و لفت إنتباهي عن ما يشغل بالي طوال الطريق إلى أن حطّت القافلة مساءا، فانصرف سام، و أعانني ليشار على نصب الخيمة قبل أن يغادر أيضا، بينما كان نارام يجمع أغصان مناسبة لاشعال النار.
و نحن جالسان نأكل بعض الثمار، جاءت أثرا لتزورني. أقبلت علينا بخطوات متأنية رتيبة، ثم تبادلت و نارام إبتسامة صغيرة. إبتسامة إختلط بها شيء من الخجل جعل أساريرهما ترقّ. إبتسامة جعلتني أشك في أنهما ربما تبادلا شيء آخر غير ذلك العناق الذي شاهدتهما يتبادلانه عند مدخل الوركاء.
قام نارام و لمّح لها بالجلوس في مكانه بعد أن أفحصت عن سبب مجيئها، ثم تركنا وحدنا. قالت بأنها أتت لتطمئنّ علي فانتظرت منها أن تمنحني كل إنتباهها لأحدثها عن حالي، لكنها كانت تلاحقه بعينيها. حتى ضحكتها اللطيفة تلاشت مع كل خطوة إتخذها بعيدا عنا، و إختفت مع إختفائه خلف الخيم. تقلص إتساع صدري الذي لم يبقى منه سوى القليل، لكنني حرّمت على نفسي الانزعاج من الأمر. لم يكن من حقي أن أنزعج منها أو أغضب. كنت من سبق إلى خيانتها، ثم شاركت أور قبلة مجنونة أمام عينيها. كنت أعرف جيدا أنه حان الوقت لأكفّ عن محاولة الحصول على حبها خاصة بعد كل ما فعلته بها، إلا أنني كنت لا أزال أعشقها. كنت لا أزال أحلم بحياة معها.
أعادت علي سؤالها. إستغرقت مدة في تأمل سواد عينيها ثم أجبتها: "أنا بخير."

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Fiksi Sejarahنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...