نارام
رفض التحدث إلي فاستسلمت و تركته يذهب. كان في حال يرثى لها ذلك الصباح. شعره مبعثرا و كأنه كان في عجلة من أمره لدرجة أنه نسي أن يمشط شعره، بل و تبديل قميص نومه قبل الخروج أيضا. إبيضت شفتاه و إسود تحت عينيه بين ليلة وضحاها و كأنه سهر الليل بطوله تحسرا. ربما لم ينم بالفعل، فلقد قلب دنياه رأسا على عقب قبل أن يخلد إلى النوم.
عدت إلى خيمتي، أخرجت منها بساطي و حملته معي إلى قلب الساحة. لم يمتلئ السوق بعد بالناس فذهبت لزيارة أثرا أولا قبل أن أجلس و أبدأ بسرد الحكايات. مررت على خيمة زالين فوجدتها مفتوحة و الزوار يصطفون أمامها. توقفت عندما لمحت أثرا جالسة تقرأ كف إحدى الزائرات. راقبتها لبعض الوقت. كانت تحدثها تارة ثم تتفحص كفها تارة بمساعدة زالين، و كانت ضحكتها التي تجعل عيناها تبتسمان تعلو شفتيها طوال الوقت و كأن شيئا لم يحصل. لو لم أرى حالها ليلتها لظننتها سعيدة حقا، لكنني رأيتها. سمعت صرختها. لم تكن على ما يرام. و كم تمنيت الاقتراب أكثر و الاطمئنان عليها.
*
أقلقتني تساؤلات الزوار عن الساحر و عن سبب عدم إستقباله للزبناء ذلك اليوم، و زادتني الحال التي رأيته عليها ذلك الصباح قلقا فخشيت أن يكون مريضا. و في إستراحة الغداء عزمت على زيارته، لكن في طريقي إليه صادفت ليشار الذي عاد من عنده، فسألته عنه. أخبرني بأنه نائم، و أنه متعب يحتاج قسطا من الراحة ليس إلا، فتراجعت عن زيارته.
أنهيت عملي مساءا بعد أن غادر سكان القرية السوق، فزرت الحكيم و شاركته طعام العشاء ثم قصدت خيمة زالين. دخلت بعد إذنها، فوجدتها وحيدة تطوي بعض الثياب. أشارت لي بالجلوس ففعلت.
"تبحث عن أثرا؟"
"صحيح.. أردت أن أطمئن عليها."
"خرجت لتتمشى قليلا. يمكنك إنتظارها هنا. ستعود قريبا." ثم تنهدت و هي تضع آخر فستان طوته جانبا. "كنت تعلم بما جرى ليلة أمس؟"
أومأت ثم أفصحت لها عن ما شاهدته، فأنبأتني هي الأخرى عن زيارة أور لأثرا ذلك الصباح و عن مسامحتها لها، ثم أردفت شبه موبخة: "لو أنك بقيت بجانبها لما حدث لها كل هذا."
"لا يحدث للمرء سوى ما قدر له يا زالين."
"ألا تزال تظن أن إعجابك بها لا يعني شيئا؟"
"أعلم أنك تحاولين مساعدتها، و بالأخص مساعدتي أنا على نسيان الماضي، لكن لا يجوز أن أستعمل إنسانا لأنسى إنسانا آخر. أيا يكن ما أصاب المرء فأظن أنه يجب عليه إصلاحه وحده قبل أن يستقبل شخصا آخر في حياته. إذا حاولت مشاركة من تحب حياة محطمة، فسيرتعب من تلك الفوضى و قد يتركك و يهرب منك أيضا لا محال."

أنت تقرأ
الساحر و الراوي
Historyczneنوع الرواية: واقعية سحرية تاريخية رومانسية نبذة عن الرواية: بعد سنوات من العذاب، تتخذ حياة أثرا مجرى جديد يوم قررت المخاطرة، و زيارة السوق البابلي المتنقل الذي حطّ رحاله في قبيلتها المعزولة عن الدنيا. وهناك، تقابل شابان سيغيّران حياتها للأبد. ساحر ل...