𒑂

197 25 0
                                    

أثرا

تمكنا من الوصول إلى البيت باكرا فغادرت ذيتا إلى بيت مالكها بعد أن أصررت على ذهابها و أقنعتها بأنني سأكون بخير وحدي. قدمت بعض الماء للقطة ثم شرعت في إعداد الغداء.
أشعلت النار و أعددت القدر لطهي اللحم المقدد الذي بات ليلة كاملة مرقدا في الماء، ثم جلست أقشر الخضار و أقطعها و أنا أحدث القطة عن ما رأيته في السوق ذلك الصباح. و عندما روت عطشها، أخذت تطوف حولي و هي تفرك ظهري بجسمها الصغير. وثبت إلى حجري فدنوت منها لأطبع قبلة على رأسها. ربما لم تكن تستطيع الكلام و الافصاح لي عن مشاعرها، لكنني كنت متأكدة من أنها تحبني كما أحبها، و تهتم لأمري كما أهتم لأمرها، و ترتاح بين ذراعاي كما أرتاح و هي بينهما، تداعبني و تنظف أصابعي بلسانها اللطيف.
و أنا أرتب المائدة، قفزت القطة من مكانها فجأة ثم هرعت نحو النافذة و خرجت، فانقبض صدري. لقد عاد.
إنفتح الباب فأسرعت في تفقد ما في القدر بملعقة خشبية كادت تسقط من يدي المرتعدة. زفرت في إرتياح عندما وجدت الغداء مطهوا، و شكرت أهل السماء على وقوفهم بجانبي. وضعت القدر على الطاولة أمام هيد الذي تربع على الأرض فور دخوله ثم عدت إلى المطبخ لأحضر له رغيف خبز، فوجدته يأكل و يمزق اللحم بيديه الضخمتين دون أن ينتظرني لأشاركه كعادته. وضعت الرغيف أمامه ثم عدت للمرة الثانية إلى المطبخ. رتبت الفواكه في إحدى السلات و وضعت التفاحة المسحورة فوقها بعد أن ترددت في ذلك طويلا، ثم أخذتها إليه.
لم أستطع أن آكل شيئا. مسحت على ثوبي حيث أخفيت الطلسم و أنا أحدق بالتفاحة المسحورة، أفكر في ما قد يفعله سحرها بهيد و كيف قد يغيره. أردت من سحرها أن يغير الكثير فيه، بل كل شيء فيه. لكن في تلك اللحظة بالذات وددت لو يغير طريقة أكله. طريقة مضغة التي تصدر أصواتا مستفزة و التي تشبه طريقة الكلاب الشرسة. الفوضى التي يتركها خلفه بعد كل وجبة و تجشؤه الحيواني الذي يجعلني أتقزز منه. لو كنت صادقة مع نفسي، لم أكن أكترث لتغيره. كان بغضي له لا يوصف. كل ما كنت أمله هو أن يختفي من حياتي للأبد.
مسح يديه بجزء من القماش الملفوف حول وركه ثم إلتقط التفاحة المسحورة من بين كل تلك الفواكه. أخذ منها قضمة كبيرة، مضغها ثم إبتلعها فابتلعت ريقي معه بعسر. قضم قضمة ثانية ثم أمرني قائلا: "إذهبي إلى المعبد هذا المساء و توسلي للآلهة أن ترزقني بطفل."

تمتمت بجوابي: "سبق و فعلت ذلك."

إزداد صوته خشونة. "ماذا قلتي؟"

رددت جوابي نفسه فحدق بي باشمئزاز و كأنني قطعة لحم متعفنة لا يتحمل شكلها و لا رائحتها. كان يعلم جيدا بأنني أكذب. فلقد سبق و سمعني أفصح لذيتا بأنني لا أريد الانجاب مطلقا لأنني أخشى إنجاب طفلة فتلقى نفس مصيري، و بأني إذا كنت سأطلب شيئا من الآلهة فسيكون ذلك عقما أبديا. أخبرتها بأن أمثال هيد لا يجب أن يكونوا أباءا و لا يستحقون أبناءا، و بأن أمثاله يستحقون العذاب حتى الموت. كاد يقتلني يومها ضربا. وصفني بلعنة حلت عليه و بعار يجب التخلص منه.

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن