𒎙𒁹

133 20 0
                                        

نارام

جلست و الحكيم أمام النار التي أشعلها بالقرب من خيمته، نشرب بعض اللبن و نتناول تمارا أهداها له أحد سكان القرية مقابل معالجته لمرض إبنه الصغير. حدثني عن يومه، ثم حدثته عن يومي فذكرت له أنني قرأت بعض الصفحات من كتابه و أبديت له إنباهري بما قرأته، ثم إنهلت عليه بالأسئلة فقهقه ضاحكا.

وضع كوب اللبن عند قدميه ثم قال: "واحدة واحدة يا بني. ماذا تريد أن تعرف أولا؟"

إعتذرت منه ضاحكا ثم إعتدلت في جلوسي. "حسنا. أريد أن أعرف كيف ظهرت الفكرة إلى الوجود؟ و هل من دليل يثبت حقيقة تناسخ الأرواح المستمر؟ و الكون أيضا؟"

أجابني و هو يخرج لبّ تمرة بأصابعه. "أما عن الأصل فلست متأكدا. لكن أظن أن هذا المعتقد ظهر بسبب معتقدات أخرى. فمثلا، معتقد كون الروح خالدة بعد فناء الجسد قد يجعل الانسان يتساءل عن مصيرها. و مفهوم التناسخ يجيبنا على ذلك. إلى أين تذهب الروح بعد فناء مركبها؟ تولد من جديد."
وضع قطعة في فمه ثم أردف و هو يمضغها: "أما الدلائل الموجودة فليست بدلائل يمكن إثباتها لأكون صادقا معك. فمثلا، يقال أنك إذا إنتبهت إلى الأطفال الصغار و هم يتحدثون فإنهم يقصّون أحداث غريبة على أنها حدثت معهم بالفعل، و يحكون عن شخصيات لا وجود لها في الواقع على أنهم شخصيات حقيقية، أو على أنهم كانوا حقيقة في يوم من الأيام. و يفسر البعض ذلك على أنها ذكريات من الحياة السابقة."

"تقصد أن الأطفال يتذكرون حياتهم السابقة؟"

"من المعتقد أنهم يفعلون. ثم مع مرور الوقت و هم يكبرون ينسونها تماما كما ينسون ذكريات السنوات الأولى من حياتهم. فليس منا من يذكر يوم ولد و لا يوم خطى أول خطوة، و لا يوم نطق بأول كلمة."

بدأ كلامه يدفعني للتفكير مليا في كل ما ذكره. تمتمت لنفسي. "مثير للاهتمام.."

"ثم أنظر إلى الحياة من حولنا أيضا. كل شيء يبدو و كأنه يولد، يعيش ثم يموت، ثم يولد من جديد. الليل و النهار مثلا. تشرق الشمس ثم تغرب، فيأخذ القمر مكانها حتى تشرق مجددا و هكذا دواليك. ثم أنظر إلى دورة القمر. يكون مظلما، ثم هلالا، ثم ربع بدر ثم بدرا كاملا. و هكذا يكرر دورته و يستمر فيها إلى ما لا نهاية."

تبسمت متذكرا يوم تحدثت و زالين عن الكون و ما معناه بالنسبة لكل واحد منا، فحدثتني عن العلاقة العجيبة بين دورة القمر و الأرحام.
قلت: "أخبرتني زالين مرة أن للأراحام أيضا دورة خاصة. ففي بداية الدورة تكون و كأنها تستعد لاستقبال جنين فتعدّ له مأوا أشبه بكون مصغر، ثم تحافظ عليه لمدة تقارب مدّة دورة القمر. و في نهاية الدورة يدمّر الرحم ذلك الكون المصغر و يخرج على شكل حيض من أجسام النساء إستعدادا لتكوين ذلك المأوى من جديد."

الساحر و الراويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن