في صباح يوم مشرق في فصل الصيف وقفت فتاتان قصيرتان القامة أحداهما تفرد شعرها القصير و الأخري رفعت شعرها الطويل علي شكل كعكة و هما يتناولان فطورهما أمام عربة بسيطة في احدي شوارع الاسكندرية المطلة علي البحر.. كانت نسمات الهواء تداعب خصلات شعرهما و هما يأكلان بشراهة..بينما فتاة محجبة ترتدي ملابس بسيطة مرتبة وقفت تبحث بعينيها عنهما حتي لاحظتهما في نهاية الشارع.. تنهدت بنفاذ صبر ثم أسرعت لهما و هي تسير بخطوات غاضبة.. اقتربت منهما لتسمع أحداهما تتحدث:لا ي عم حسين انا زعلانة منك.. انت مش مزود الزيت حار ليه المرادي؟
ضحك بلطف البائع و هو يتناول منها الصحن:بس كدا.. عنيا يا بشمهندسة سمر.
صرخت الفتاة المحجبة في وجهها:ياجدعان انتو بتهزروا.. المحاضرة بدأت و خلصت و التانية هتبدأ كمان ربع ساعه و انتو لسه بتطفحوا!
صاحت الفتاة الأخري فيها:في ايه ي عايشة ع الصبح؟ منفطرش يعني؟
لتقول سمر و هي منهمكة في تناول الطعام:نزلها يعم حسين طبق فول و فلافل عشان تروق دمها.
نظرت لهما بنفاذ صبر بينما عم حسين أومأ برأسه لتبادر عائشة:حيث كدا زود الزيت حار بقا يعم حسين.
نظرت لها سمر بضيق عينيها قبل أن تضحك بسخرية..وضعت كلاً منهن مجموعة من العملات المعدنية للبائع ثم حملن حقائبهن و رحلن و هن يتحدثن بسخرية عن إحدي زميلاتهن في السكن..ثم تبادر سمر ساخرة من فريدة:يا اختي قعدتي تصدعينا بسي عبدالرحمن بتاعك دا و طايرة من الفرحة انه رضي يحول لجامعة اسكندرية و مشفناش خلقته لحد دلوقتي.
ردت فريدة بتذمر:بطلي قر بقا قولتلك هنقابله انهارده.
لوحت سمر بيدها بعدم اهتمام لتقول فريدة:بقولكم ايه هروح اجيب ازازة ماية من الشارع دا علي ما تعدوا الطريق.
رحلت فريدة لتدير سمر وجهها ل"عائشة":هتلاقيه اصلا شبه المقشة و هي طلعالنا بيه السما اوي..بيست فريند قال.
ضحكت عائشة ساخرة من طريقة حديث سمر و أثناء مرورهما الطريق لم ينتبها للسيارة التي توقفت فجأة أمامهن بعدما أصطدمت بساق عائشة..ضربت سمر بكفيها علي السيارة و هي تصيح بإنفعال شديد:طب انزلي بقا من العربية يروحمك انت و هو.
ترجل من السيارة ثلاث شباب الأول كان السائق "عبدالرحمن ثابت".. شاب طويل القامة عريض الكتفين يرتدي نظارة شمسية و ملابسه مرتبة و يبدو عليه الثراء..أملس الوجه و شعره قصير.. أما الثاني "يحيي" كان وسيم الملامح أملس الوجهه شعره كثيف مموج بني مائل للون الذهبي.. و الثالث "عمار" كان أطولهم قامة ذو ملامح رجولية حادة و لا يقل وسامة عنهما و يمتلك لحية خفيفة و شارب و شعره قصير..
تحدث عبدالرحمن معتذراً:أنا أسف جداً والله مكنتش اقصد.
لترد سمر بصياح:دا انت نهار ابوك أسود أنت و هو.. أعمل ايه بأسف دي يعني بعد ما كسرتلي البت.
بادر يحيي:ما تهدي ي ست حلويات انتي.. اصلا انتو اللي رامين نفسكم قدام العربية.
ضربت سمر يحيي بحقيبة يدها في وجهه ليصرخ فيها منفعلاً:لا دا انتي زودتيها بقا.
بادرت عائشة التي كانت تجلس على رصيف الشارع تتألم من ساقها:يجدعان اطمنوا عليا الأول وبعدين قطعوا بعض براحتكم.
انتبهوا جميعهم لها حيث أسرع عمار نحوها:معلش ي أنسة حقك علي راسي أنا..حضرتك كنتي رايحة فين و هنوصلك؟
نظرت له عائشة مندهشة من طريقته المهذبة للغاية بعدما ساعدها علي النهوض فأجابته:كنا داخلين الجامعة.
أنهت جملتها ليبادر رجل خمسيني من بين الحشد الذين أقتربوا ليشاهدوا الحادثة عن قرب:خلاص بقا ي انسة عفي الله عما سلف و الأنسة كويسة اهي.
أنهي جملته قبل أن تسرع فريدة و هي تقول بفزع:في ايه؟..انتو كويسين؟
ردت عائشة:اه الحمدلله.
بينما عبدالرحمن دقق النظر في وجه فريدة:فريدة المغربي؟
استدارت فريدة لعبدالرحمن و شهقت بدهشة:عبدالرحمن ثابت؟
تصافحا بحرارة و هما يضحكان بود:ايه دا يابنتي انتي اتغيرتي خالص.
لترد فريدة:وانت متغيرتش.. طول عمرك نضيف و بتلمع ي اخويا.
قهقه عبدالرحمن لتقول فريدة لمن حولها و هي تصفق:خلاص يجدعان اتكلوا انتو طلعنا معرفة.
انفض الناس من حولهم لتقول سمر بنبرة صوتها المرتفعة:معرفة ايه؟ العيال دي مش هتمشي كدا عادي؟.. دا انا هبيتكم في القسم يالا منك له.
رد يحيي و هو ينظر لها بإشمئزاز:ما تلمي نفسك بقا يابت انتي انا مش عايز امد ايدي عليكي بس عشان انا شاب شهم.
انتبهت فريدة ليحيي و سرعان ما تغيرت تعابير وجهها لذهول و ألتمعت عينيها إعجاباً و هي تهمس:اللهم ما اصلي عليك ي نبي..مين براد بيت اللي انت جايبه معاك دا ي عبده؟
همس لها عبدالرحمن:شش هتفضحيني.. دا يحيي صاحبي.
تدخلت فريدة و وقفت بين يحيي و سمر لتفصل بينهما و هي تقول:ما تلمي نفسك يابت صحيح..خلاص البت كويسة و هو مكنش قصده و بعدين انتي ماسكة ف يحيي و سايبه عبده اللي كان سايق؟
همست فريدة لسمر:حد يرفص النعمة يابنت الغبية!
أدارت فريدة وجهها ليحيي عندما تحدث:خلاص حصل خير و كويس أننا طلعنا معرفة.
ردت سمر:انت هتتلزق فينا ولا ايه يالا انت؟
أدار يحيي وجهه بنفاذ صبر:اللهم اطولك ي روح..يا أنسة..
صمت لترد سمر بتعجرف:ستك و تاج راسك سمر.
أردف يحيي:ي انسة سمر.. ممكن تهدي اعصابك شوية و تسبينا ف حالنا عشان والله عندنا محاضرة دلوقتي و متأخرين.
كان يحيي يتحدث و فريدة تقف ملاصقة له و هي ترفع رأسها له نظراً لفرق طول القامة و تتأمل ملامحه الجذابة بنظرة بلهاء.. لاحظها يحيي ليقول:أنا بتكلم علي فكرة.
لم ترد فريدة و لم ترمش عينيها حتي ليقول يحيي:يلا يعم اتكل ع الله دا بينهم بنات ضاربة.
ألتفت ليركب السيارة بينما سمر رمقته بنظرات اشمئزاز ليقترح عبدالرحمن:طب تعالوا اركبوا معانا ما احنا رايحين بردو.
ردت فريدة:لا يسطا اسبقوا انتو و احنا هنحصلكم.
ألتفتت فريدة لعائشة و قالت:يالا ي اختي عايزاكي تعمليلي حركتين جمباز كدا ف نص الشارع.
لم ترد عائشة بل سارت أمامها و هي تقفز علي قدم واحدة لتبادر سمر:اتنططي ياختي اتنططي.. مصاحبين كنغر.
ثم تمر سيارة عبدالرحمن بجوارهن و يخرج يحيي رأسه من شباك السيارة.. أنزل نظارته الشمسية و نظر بتعالي لسمر بينما هي رمقته بنظرات اشمئزاز..
دخلت الفتيات الثلاثة قاعة المحاضرات في وقت متأخر و لكن سمح لهن الدكتور بالدخول.. صعدن الدرج ثم وقعت أعينهن علي الشباب الثلاث الذين جلسوا ينظرون لهن.. جلسن في المقاعد الخلفية لتتألم عائشة و هي تجلس:ااه ي ركبتي ياني..انا ملحقتش اتهني بطبق الفول اللي طفحته حتي.
لتهمس سمر منفعلة:هو عشان يعني معاه عربية هيمشي يدوس ع الناس.
لتقول فريدة:ما خلاص بقا ي سمر انتي زودتيها صحيح.
أدارت سمر وجهها و هي تقول:زودتها؟ ماشي يازبالة يالي بتبصبصي ي للرجالة.
ضحكت فريدة ببلاهة و هي تراقب يحيي بعينيها:اسمه يحيي علي فكرة.. اما حلو حلاوة..انا حاسه اني لقيت فتي احلامي خلاص.
لتقول عائشة:بصراحة هو عسول اوي عندك حق.
بادرت سمر همساً:يجماعه يلعن زوقكم التلاتة ملزقين أصلاً.
و بينما فريدة تراقب يحيي و هو يجلس في المدرجات الأمامية وجدته يلتفت لهن و يبتسم بسخرية.. أسرعت فريدة:جماعه دا بيضحكلي..ينفع اديله بوسه ف الهوا؟
ضربتها عائشة بخفة و هي تقول:بيضحكلك ايه دا بيضحك عليكي و بعدين ما تمسكي نفسك متبقيش مقلوبة كدا.
أدار يحيي وجهه لفتيات الثلاث..كانت عائشة وجهها متألم و هي تتحسس ساقها بيدها.. ترتدي حجاباً بسيطاً و لا تضع أية مساحيق تجميل.. سمراء البشرة عينيها بنيتان و طويلة القامة..تبدو هادئة دوماً لا تفتعل المشاكل و تحب دراستها كثيراً..
أما الثانية سمر كانت ترمق الجميع بنظرات حادة غاضبة.. شعرها الطويل الأشقر رفعته كعكة و أنزلت عدة خصلات علي جبهتها لتزيدها جمالاً..كانت جميلة للغاية عينيها خضروتان و بشرتها بيضاء و تضع القليل من مساحيق التجميل.. هي الفتاة الأكثر شيوعاً في صفها دوماً بسبب كثرة افتعالها للمشاكل فتبدو و كأنها تتلذذ بذلك.. جميلة لدرجة تجذبك كثيراً لتتحدث معها و لكن بمجرد أن تفتح فمها تتمني لو أن تركض من أمامها.. لا تهاب أحد و جريئة كثيراً..
أما الثالثة فهي فريدة التي كانت تبتسم بنظرات بلهاء نحوهه.. شعرها قصير بني يميل للون الذهبي و عينيها زرقوتان و بشرتها بيضاء..تبدو هادئة و لطيفة معظم الوقت و لكنها في الحقيقة تخطط لكارثة جديدة فهي الرأس المدبر لجماعتهن و أكثرهم دقة و ملاحظة و ذكاءاً و رومانسية .. تبحث دوماً عن فتي أحلامها و تتمني أن تقع في حب أحدهم يوماً..
أدار يحيي وجهه و هو يهمس لرفيقه:بقا الهبلة دي البيست فريند بتاعك؟..انا فكرتك هتجيب واحده كاريزما شوية.
ضحك عبدالرحمن بخفة:لا انت بس لسه متعرفهاش..بس لما تعرفها هتحبها.
بادر عمار همساً:مش صعبان عليا غير البنت التالتة دي.. شكلها مؤدبة و هادية اوي.
سخر منه يحيي بنظرة خبيثة:اه ي اخويا ما انت جريت تطبطب و عاملي فيها حنين.
أدار عمار وجهه بضيق و هو يقوم بالتسبيح علي أصابع يده:أستغفر الله العظيم يابني بطل نيتك الزبالة دي بقا.
أنت تقرأ
أحمق في بيتي
Humorمجموعة من الفتيات و الشباب يجمعهم القدر ليعيشوا تحت سقف واحد رغماً عنهم.. يذهبون للجامعة معاً و يتناولون الطعام علي نفس المائدة كعائلة واحدة.. و لكن كيف سيتأقلمون علي هذا الوضع وسط تحديات تلك الحياة الجديدة مع أناس و بلدة جديدة!.. سيندمجون رغم اختل...