|٥٥|

112 6 5
                                    

وقفت ملك مذهولة بملامح عاجزة عن التعبير و قد ضمت ذراعيها و هي تنظر حولها في القاعة الواسعة التي احضرها أحمد لها:انت اكيد بتهزر يا احمد!
ضحك وجهه ببهجة شديدة و هو يقف فوق البساط المطاطي و يقفز فوقه قفزات خفيفة بمرح:بس ايه رأيك.. انا كل ما اكتئب اروح مع ولاد خالتي الصغيرين نتنطط هنا حبه.. دي طلعت بطلع الطاقة السلبية و الكبت والله حتي بصي.
قفز قفزات عالية متتالية في مكانه فأخذ يرتفع اكثر في الهواء قبل أن يقفز بجسده و كأنه يغطس بداخل البقعة المجاورة التي امتلئت بمئات المكعبات الاسفنجية.. غطس بمنتصفها لدرجة أن جسده اختفي تماماً أسفل المكعبات و الألعاب.. وقفت مكانها تضحك بسخرية و لكنها لاحظت غيابه فنادته:طب اطلع طيب.
لم يأتيها رداً منه فنادته مجدداً بقلق:احمد انت روحت فين!
خرج رأسه فجأة من أسفل المكعبات امام قدميها تماماً فأفزعها لتسقط خلفها علي البساط المطاطي و أخذ جسدها يرتفع ويسقط عليه بلا توقف و كلاً منهما يقهقه بقوة:قومني مش عارفه يخربيتك.
نهض أحمد من مكانه:يناس يالي هنا في طربشه واقعه مني.
قهقهت ملك و هي تحاول النهوض بصعوبة معه فتمسكت في يده و وقفت بجواره:يلا هعد واحد اتنين تلاتة و ننط سوا.
اومأت برأسها بحماس شديد و هي تستعد قبل أن يقفزا بطريقة عشوائية داخل بقعة المكعبات.. اخرجت رأسها و هي تعدل خصلات شعرها التي تبعثرت:انت روحت فين تاني!
ظهر من خلفها ليفزعها مجدداً و تضحك كثيراً:شوفتي لذيذة ازاي!
بادرت بإبتسامة عريضة:بصراحة انبسط.. عارف؟
تأثرت تعابير وجهها و هي تحكي:انا دايماً في حاجات كدا كنت محرومة منها بسبب وزني.. يعني مثلا وانا صغيرة مكنتش بعرف العب العاب زي دي مع اخواتي عشان بيتريقوا عليا..ولا حتي العجل كنت بخاف اركبه لاقع و يضحكوا عليا.
صاح أحمد فجأة ليقطع هذا التأثر المبالغ فيه:وزن مين يا ام وزن.. دا انتي عصفورة.. انتو معندكوش مرايات ف البيت ولا ايه!
تبسمت بخجل و هي تعدل خصلات شعرها في حين أردف:نفسي اعرف بس مين اللي كسر ثقتك ف نفسك بالشكل دا عشان ادشمله.
اخفضت رأسها عندما خطر في عقلها حبيبها السابق فكان أكثر من يسخر من وزنها الزائد رغم أنها لا تزيد سوي بضع كيلوجرامات:واحد كدا الله يسامحه.
أسرع أحمد بالرد:سيبك منه بركة أنه غار..اكيد هتلاقي اللي يحبك بكل حاجة فيكي و يقدرك بجد.
عدلت خصلات شعرها التي انسدلت علي جبهتها و هي تقول بصوت خافت خجول:شكلي كدا لقيته.
غمز أحمد بعينه بضحكة خبيثة:ياني ع القصة الي مدوباني.
ضحكت برقة في حين عانق هو إحدي الدمي و هو يتأمل وجهها الجميل و ابتسامتها الرقيقة التي تذيب قلبه.. كانت تنظر له نظرة ممزوجة بالخجل و الإعجاب و السعادة..ساد الصمت لثواني طويلة و كلاً منهما يحدق في الأخر قبل أن يقاطعهما صوت مزعج:هييييه هنتنطط هيييه.
أدار أحمد وجهه للأطفال الثلاثة التي تتراوح أعمارهم بين الثامنة و الحادي عشر..قفز أحدهم من فوق أحمد ليسقط خلف ملك لينفعل احمد:الله يحرق الفصلان..منكم لله دا وقتهه!
اخفت ابتسامتها و هي ترد:اطفال يا احمد حرام عليك!
قلد صوتها بسخرية قبل أن يضربها بالدمية:قومي نمشي بدل ما شكلنا هايف كدا.
ضحكت و هي تغادر بقعة المكعبات في حين أصتدم صبي منهم في ملك ليثير غيرة أحمد.. جذبه أحمد من ملابسه:خد يالا انت مش تخلي بالك.
لوح الصبي بيده بنبرة ساخرة:ما خلاص يعمنا هو انا خبط في هيفاء وهبي.
صفعة أحمد علي عنقه بخفة:يعني قليل الادب و احول..تيجي ايه هيفا جمبها!
ابعد الصبي يده قائلاً:خلاص يعم متمدش ايدك.
أدار وجهه لملك و غمز و هو يقول:لمؤخذه يا بطل.
صفعة أحمد مجدداً:انت بتعاكسها قدامي كمان دا انت يومك مش فايت.
جذبه أحمد من ملابسه في حين حاولت ملك الفصل بينهما:خلاص يا احمد انت هتعمل راسك براس عيل صغير.
بينما الصبي تشايط غضباً و ضخم نبرة صوته:مش هتقدر تعمل حاجه أخرك فاضي.
حمله أحمد علي كتفه وقال بتوعد:عليا النعمة لتتقطع دلوقتي.
ركض احمد به علي البساط قبل أن يلقي به بقوة..حمله مجدداً و الصبي يصيح و يحاول أن يفلت من بين ذراعيه ثم ألقاه في بقعة المكعبات و سرعان ما أمسك أحمد بيد ملك ليهرب:بسرعة قبل ما صحابه يتلموا علينا.
تناولت المثلجات معه و هي تسير بجواره في طريق عودتهما للمنزل و تقهقه بقوة كلما تذكرت شجار أحمد مع الصبي:انت مجنون يا احمد؟ بتضرب عيل صغير عشان خبطني؟
رد أحمد بنبرته المنفعلة:انا مرضتش أكبر الموضوع بس عشان انتي معايا..المهم انبسطي؟
اتسعت ابتسامتها و هي تقول:اوي اوي.
دخلا من بوابة العمارة و ألقي كلاً منهما السلام علي عم سيد و صعدت معه الدرج فأتي صوت صراخ من الأعلي.. كان صوت أنثوي فأسرعا للطابق الثالث بفزع..تحسست سمر مؤخرتها أثر الأبرة الطبية:يستااار حقنه دي ولا طلقه.
ردت سلمي بتذمر:اخص عليكي يا سموره دا انا ايدي خفيفة.
أدارت ملك المفتاح في الباب ودخلت مفزوعة:في ايه صوتك جايب لتحت! استري نفسي احمد برا.
دخل أحمد من الباب:ايه يا سمر بتجعري ليه؟
أشارت سمر بأصبعها نحو سلمي بوجه متألم في حين كانت سلمي ترتدي معطفها الطبي و تحمل الأبرة الطبية فصاحت فيها ملك:انتي يابت هضيعي نفس فِرد البلد بالشكل دا.
اضاف أحمد:وربنا اروح اشتكيكي ف نقابة الاطباء يشوفوا البهيمة اللي سايبنها تمارس المهنة علينا دي.
صاحت سلمي مدافعة عن نفسها:بقولك ايه انت و هي لما يبقي حد يموت ابقوا اتكلموا.
مال أحمد علي ملك هامساً:هي لابسه البالطو ليه؟
رفعت كتفيها متعجبة في حين أشارت سلمي بيدها لسمر بنبرة أمرية:وانتي قومي مشي نفسك ف الشقة عشان الحقنة تمشي.
سارت سمر متألمة بخطوات بطيئة:تك مشش ف ركبك يابعيدة.
دخلت سمر غرفتها في حين ضمت ملك ذراعيها و هي تقول بثقة:مش أحمد اضارب عشاني انهارده.
رفعت سلمي حاجبيها لأبن عمتها مندهشة:والله زمان..فاكر الواد بخة اللي ف الحتة عندنا اللي كان بيصبحك بعلقة و يمسيك بعل..
قاطعها أحمد عندما أسرع ليكتم فمها و يرد بتلعثم:لا دا زمان ياماما ايام الابتدائي الكلام دا.
سخرت ملك منه:مفرقتش كتير..ما العيال ف ابتدائي بردو.
شهقت سلمي مستدركة:اصلا!!.. اسم الله عليك يا ديك البرابر.. و انت بقا عملت ايه خطفت منهم الزمزمية و لا وقعت كتاب الدين؟
رفع ذراعه ليلكمها في وجهها ولكنها سرعان ما ركضت:غوري يابت بدل ما اخنفك..اشكال ضالة.
أغلقت باب غرفتها في وجهه بينما هو استدار لملك التي كانت تضحك منهما:انا هستأذن انا بقا.
خطي خطوة نحو الباب و لكنه توقف متألماً من ساقه..أسرعت نحوه بقلق:مال رجلك!
تحسس ساقه و هو يكتم تألمه و لكنه رفع رأسه و اجابها:متقلقيش هي بتوجعني كدا من وقت للتاني.. وبعدين ما انتي شوفتي اتنطط عليها ازاي انهارده..بس كله يهون عشانك يا جمييل.
ابتسمت بخجل قبل أن تقول:بس اوعدني تكشف عليها بكرا.
اومأ برأسه و هو يتجه نحو الباب.. غادر و كانت علي وشك أن تغلق الباب ليوقفها:بقولك ايه ما تدلكيهالي عشان تخف.
دفعته و هي تخفي ضحكاتها بخجل:تصبح علي خير ي احمد.
أغلقت الباب و أسندت ظهرها له و هي تخفي ابتسامتها العريضة بيدها..

أحمق في بيتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن