|٥١|

110 5 5
                                    

وقف امام خزانة ملابسه ينظر للقلادة التي حملها في يده يتأملها.. كانت من الذهب و بسيطة يتوسطها قلب رقيق.. قرر أن يضعها في مكان آمن حتي يستشير سيف في أمرها غداً..كاد أن يخلع ملابسه فسمع طرقات خافتة علي باب منزله.. خرج يحيي ليفتح الباب ليجد جسد فريدة يرتمي عليه فأسرع ليسند جسدها:فريدة!.. انتي كويسة؟
فتحت عينيها و هي تقول بصوت خافت و عينان حزينتان:فريدة خايفة.
جذبها نحو الأريكة و هو يسألها بفزع:مين يا حبيبتي الي مخوفك؟
وجدها تنظر لعينيه بقلق:انت معيط؟
تجاهل يحيي سؤالها متعجباً من انها استطاعت تمييز الحزن و البكاء من عينيه رغم الضوء الخافت..كرر سؤاله:انتي شوفتي كابوس طيب؟
فتحت عينيها التي تغلقهما بين الحين والأخر و حركت رأسها بالنفي.. نظر نحو غرفة عبدالرحمن و أحمد و خشي أن يستيقظا الأن فهمس لها:طب هجبلك مايه تفوقك بس تطلعي علي طو..
جذبته فريدة عندما نهض و نظرت إلي عينيه مباشرة و قالت بتلعثم:مش هطلع فوق يا يحيي.
سألها متحيراً من أمرها:امال هتنامي فين بس؟
أشارت فريدة نحو غرفته فأقترب منها و ساعدها علي الوقوف قائلاً:فريدة بطلي دلع و اطلعي فوق لو حد شافنا هتبقي مشكلة.
لا يدري لماذا شعر بالذنب عندما دفعها للخارج و شعر و كأنه ما كان يجب أن يدفعها و قد أتت له عندما شعرت بالخوف..ألتفتت له و بدأت عينيها تلتمع بالدموع و هي تهمس:فريدة خايفة!
شعر بغصة في حلقه و لم يتحمل قلبه رؤيتها هكذا رغم عدم معرفته بما يجري معها.. جذبها للداخل مجدداً ثم أغلق الباب برفق.. سارت معه و هو يتسلل نحو غرفته و يجذبها من يدها.. دخلت غرفته و أضاء المصباح و قد لاحظ ملابسها و أنها ليست بالحجاب فالظلام بالخارج و فزعه نحوها جعله لم يلاحظ معالمها.. كانت ترتدي سترة حمراء بسيطة و بنطال أسود مريح و شعرها الأشقر ينسدل علي ظهرها.. ألتفتت نحوه و هي تقول بدهشة:انا حاسه اني جيت هنا قبل كدا.
و هنا يحيي أدرك أنها ليست علي طبيعتها.. تلك الغرفة كانت غرفة الفتيات قبل أن يصعدن للطابق الثالث.. اقترب منها و هو يسألها:فريدة هو انتي شاربة حاجة؟
وضعت يديها علي فمها و هي تخفي ضحكتها و تومئ برأسها.. رفع حاجبيه بذهول:قولي كدااا.
جذبها من ملابسها و هو يسألها:هببتي ايه انطقي؟
أجابته ببساطة:دي سجارة نجلا السافلة.
اتسعت عينيه بصدمة:سجارة حشيش!! جبتيها من انهي داهية دي؟
اجابته فريدة:نجلا ادتها لملك ف الفرح و انا سرقتها من دولاب ملك.
افلت يده عنها و هو يقول بذهول:ينهاركم اسود انتو الاتنين.. عليا النعمة لأقول لاحمد علي الملاك الي واقع ف غرامها و طلعت بتحشش دي.
نظر نحو فريدة التي أخذت تتفحص الغرفة بعدم اهتمام فهمس لنفسه:مش لما اتلهي ف خيبتي انا الاول.
تفحصت الغرفة بعدم اهتمام ثم سألته:هو عمار فين؟
كان يقف ينظر لها بذهول و يذم شفتيه بنفاذ صبر منها:عمار مسافر يا فريدة.
جلست علي فراش يحيي ثم مددت جسدها و هي تقول:بس السجارة خفيفة مااايه.
اقترب منها و هو يقول:وربنا ما في حاجة خفيفة غير دماغك.
اعتدلت في جلستها ثم أشارت له بأن يجلس في مقابلتها.. جلس فأشارت له أن يقترب:هقولك سر.
اقترب يحيي أكثر فوجدها تطبع قبلة علي وجنته و ابتعدت لتترك أثر أحمر شفاه علي وجنته.. نظر لها بنفاذ صبر:متشكرين ياستي.. اتفضلي اطلعي شقتكم بقا.
أسرعت بالرد و هي تقول بحزم:ما قولنا فريدة هتنام هنا.
انفعل يحيي قائلاً:انتي عماله تقولي فريدة فريدة امال انتي مين يا ست انتي؟
حركت عينيها يميناً ويساراً ثم رفعت كتفيها:مش عارفه.
تنهد يحيي و هو يتمالك اعصابه:فريدة ممكن تقومي تطل..
قاطعته صفعه رقيقة علي وجنته:ايه دا!
تحسس مكان الصفعة و هو يتسائل بفزع:في ايه؟
أشارت نحو أثر قبلتها و هي تقول بغضب:مين اللي بيساك دي يا استاذ؟
اغمض عينيه و تنفس بعمق ثم رد بهدوء:انتي ياحبيبتي.
اتسعت ابتسامتها و هي تتحسس رقبته بنظرات أنثوية رقيقة:خلاص هبوسك واحدة هنا.
أنزلت يدها لتفتح أزرار قميصه و هي تقول:و واحدة هنا.
امسك بيدها و هو يقول:لا اقفي لحد هنا و احترمي نفسك بدل ما اتصل بأمك تيجي تلمك والله.
اختفت ابتسامتها و هي تبعد يدها و تدير وجهها للحائط..سخر منها:اتقمصتي ياختي؟
أدارت وجهها له بغضب شديد و هي ترد:فريدة عايزه تموتك و تموت سمر.
رد يحيي:طب سمر و ياريت لكن انا عملتلك ايه؟
خيم علي وجهها الحزن و هي تشرد لثواني قبل أن تقول بعينان دامعتان:عشان فريدة كل يوم بليل بتعيط بسببك.
نظرت لعينيه و قالت:عشان انت بعد عنها.
اخفض رأسه بضيق و لكنه حاول إلهاء عقلها:طب و سمر مزعلاكي ليه؟
نظرت لأظافر يديها و هي تقول بنبرة حزينة:عشان بتخليني اغسل المواعين غصب عني و ضوافري بتتكسر.
حمل يدها ليتفحص اظافرها:وريني كدا.
تحسس يدها البيضاء الناعمة و أظافرها الطويلة التي يغطيها طلاء أحمر اللون..قبل يدها فأسرعت لتبعد يدها و تشهق بخفة:فريدة هتغير مني.
ضحك يحيي و هو يقول:انا بدأت احس انك ملبوسة..يخربيت دي سجارة..طب لسه خايفة؟
حركت رأسها بالنفي و هي تبتسم بفرحة:انا مبسوطة هنا.
مسح علي مؤخرة عنقه:مبسوطة اه.. دا انا و انتي هنتنفخ الصبح.
سألته فجأة:هو عمار فين؟
مسح وجهه بيديه و هو يكاد يفقد صوابه:سافر يا فريدة سااافر.. زي دماغك كدا ما سافرت.
اومأت برأسها متفاهمة قبل أن تسأله:هتنام علي انهي سرير عشان فريدة تنام جمبك.
أسرع يحيي قائلاً:لا يا حلوة فريدة هتنام علي سرير و يحيي علي سرير.
تدفقت الدموع في عينيها و هي تقول:انت بردو عايز تسيبها.
أجهشت في البكاء فأسرع ليهدأها:والله ابداً.. خلاص حاضر.. ما نشوف الليلة اللي مش فايته دي.
مددت جسدها علي الفراش و أفسحت له و هي تبتسم ابتسامة بريئة بينما هو سألها:طب ممكن اطلع اغير هدومي برا؟
اندهشت فريدة:هتسيبني لوحدي ف مكان معرفوش!
نهض و هو يقول بتذمر:هو انا سايبك ف صحرا.. صبرني يارب.
فتح خزانة ملابسه و اخرج ملابس مريحة و وقف يحرر أزرار قميصه لتقول بهلع:انت مجنون! ازاي تغير قدامي كدا!
سألها يحيي:اعمل ايه طيب؟
ردت ببساطة:دير وشك الناحية التانية.
استدار يحيي للحائط و هو يتمتم:انا الي ادير وشي حاضر.. والله اكني متذنب ف الفصل.
خلع قميصه فبدا عارياً من الأعلي ليسمع صوتها من خلفه تهمس:مز مزز.
لم يستطع ان يمنع ضحكته..لا يدري كيف أصبح يراها لطيفة و طفولية جداً في حالتها تلك.. عندما انتهي من ارتداء ملابسه و التفت لها وجدها خالدة للنوم..استغل ذلك و ذهب لينام علي الفراش الأخر و لكن قبل أن يرفع قدميه حتي كانت تناديه.. نهض بنفاذ صبر و هو يقترب لينام بجوارها.. فتحت عينيها الخضروتان فوجدته مبتسماً يتأملها:احضني زي جدو.
رغم أنه لم يود أن يكون ملامساً لها و لكنه شعر بالشفقة نحوها عندما ذكرت جدها فهو الوحيد الذي كان يحنو عليها و الأن هو أسفل التراب..رد يحيي:منا معرفش جدو كان بيحضنك ازاي.
تذمرت فريدة بصوت ناعس:يا يحيي بقا عايزه انام.
مدد ظهره مستقيماً و جذبها لتضع رأسها علي صدره و تحاوط خصره بذراعها و كأنها تتشبث به..سألها:طب و النور مش هنطفيه؟
لم ترد و مرت دقائق شعر فيها أنها قد خلدت للنوم ليتفاجئ بها ترتجف و تجهش في البكاء..أبعد خصلات شعرها عن وجهها و هو يتفحصها بقلق:بتعيطي ليه دلوقتي طيب منا جمبك اهو!
رفعت رأسها له و هي تقول بعينيان تذرف الدموع:عشان انت بتعاملني وحش و بعد عني..زي ماما و بابا ما بعدوا عني.. و زي جدو.
ارتفع صوت بكائها أكثر بينما هو عينيه ألتمعت بالدموع و شعر بقلبه بتمزق و هو يراها في تلك الحالة.. تشبثت في عناقه أكثر فأخذ يمسح علي شعرها و هو يهمس لها:انا اسف غصب عني..خلاص بقا منا موجود اهو و حضناني عايزه ايه اكتر من كدا يا طماعه؟
ضربته في صدره بخفة و هي ترد:اهو انت.
ضحك وجهه و أخذ يداعب خصلات شعرها حتي هدأ بكائها و بدأ جسدها يسكن.. أغمض عينيه هو الأخر بإجهاد فتلك الليلة كانت حقاً ممتلئة بالأحداث حتي سمع صوتها تناديه:يحيي.
أفتح عينيه و هو يجيب بصوته الناعس:ايوا؟
ردت بصوت دافئ:جدو كان بيحضني كدا.
اتسعت ابتسامته ثم ابعد خصلاتها ليقبل مقدمة رأسها بحنان و يعاود ليغمض عينيه بإستسلام..

أحمق في بيتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن