|٣٥|

124 7 0
                                    

لم تغادر غرفتها إلا بعدما تأكدت انه غادر لعمله فخرجت لتصنع فنجان قهوة..وقفت ترتشف من فنجانها في الشرفة و تستنشق الهواء العليل.. ساعات تمر و هي علي حالها.. تنظر للسماء و تتذكر تلك الليلة التي قضتها معه علي سطح منزل عمار بعدما أمضوا الليل يتحدثون عن السماء و النجوم حتي غلبهما النوم..الفراق يمزق فؤادئها ألماً و العودة أيضاً لن تصلح ما فسد.. ها هي تقف في منتصف الطريق حائرة متألمة و وحيدة.. الكل يلومها و لكن لا أحد يشعر بمشاعرها المختلطة.. أريدك و لا أريد أن يجرحني حبك مجدداً فأنسحب كلما خطوت خطوه إليك..
نظرت لساعة هاتفها فكانت الواحدة بعد منتصف الليل.. الرفاق قد خلدوا للنوم و هو لم يعود بعد.. سمعت صوت موسيقي يأتي من اسفل الشرفة.. فأخفضت رأسها لتجد عم سيد يجلس علي أريكته يستمع للصوت الصادر من الراديو..
اعتدل العم سيد في جلسته سرعان ما لاحظ سمر تقترب و هي تحمل كوبين من الشاي و صحناً به بضع قطع كعك.. أسرع ليحمل عنها و هو يقول:عنك يا بشمهندسة.. تسلم ايديكي و رجليكي.
جلست بجواره علي الأريكة و هي تقول:تسلم يا عم سيد.. انت ايه اللي مسهرك لحد دلوقتي؟
رد العم سيد:مخابرش والله النوم طاير من عيني ف قولت اسمع الست ام كلثوم شوية.
ابتسمت سمر و اومأت متفاهمة قبل أن يردف هو:انا بقا عارف انتي سهرانه ليه.
نظرت له سمر بضيق عينيها فوجدته يبتسم بخبث:انتي زي بنتي متتكسفيش.. انا عارف كل حاجه و غصب عني سمعت خناقة والدته معاكم يومها..والله ما توقعت ردة فعلك تبقي كدا و مغلطيش فيها و اكيد دي حاجه هو هيشيلهالك فوج راسه بعدين.
قاطعته سمر عندما سألته:هو انت حبيت قبل كدا يا عم سيد؟
ضحك العم سيد كثيراً..ضحك لدرجة أنه سعل.. أخفض صوت الراديو ثم تحدث:فكرتيني بالذي مضي..عم سيد العجوز اللي قدامك دا كان حبيب قديم اوي.. بس للأسف... كنت جبان و معرفتش احافظ عليها.. جه واحد تاني اشجع مني و اغني مني و خطفها هو.
كان شارداً في اللاشئ و هو يحكي و وجهه يسوده الضيق و التأثر.. ثم تصنع الابتسام و هو يردف:بس الحمدلله.. ربنا رزقني بست أصيلة و خلفت منها ولدين و بنت عقبال ما اشوفها بشمهندسه زيك كدا يارب.
أحتسي من كوب الشاي خاصته قبل أن تقول:بس.. بس اكيد معرفتش تحبها زي الأولي صح؟
رد العم سيد:صحيح هي ام عيالي و مراتي.. بس هي كانت حب عمري و مفيش ولا ست قدرت تملي عيني زيها.. ربنا يمسيها بالخير بقا.
شردت سمر بصمت شديد ليقاطعها العم سيد:مضيعيش حب عمرك منك زي ما انا ما عملت يا بنتي.. عبدالرحمن ولد مؤدب و محترم.. صحيح امه لسانها متبري منها شويتين.. بس والله لو تشوفيها و هي بتترجاه امبارح عشان يسامحها كانت تقطع القلب.
سألته بفضول:هو انت كنت فوق معاهم؟
احتسي من كوبه قبل أن يجيب:لا دا صوتهم كان جايب اخر الشارع.
صمتت طويلاً مجدداً قبل أن تعتدل في جلستها فجأة و هي تقول:طب انصحني..شور عليا.. انا محتاره و تايهه اوي.
اتتها اجابة العم سيد قائلاً و هو يلتهم الكعكة:هو انتي حاطه ف الكيكة دي برتقان و لا ليمون؟
اجابته سمر منزعجة:برتقان.. هاا قولي.
احتسي الشاي ليستطيع بلع هذا الكم من الكعك و سمر تنتظره بترقب.. أشار بيده لها ان تنتظر و كان علي وشك أن يأكل قطعة أخر فأخذت الصحن قائلة:هات الطبق دا انا غلطانة.
اسرع العم سيد و هو يتمسك بالصحن:سايئ عليكي النبي بحب الحته المقرمشة اللي ف الحواف دي.
تركت له الصحن بنفاذ صبر:اسمعي..انا رأيي انك تديله فرصة تانية.. رغم مش هو اللي غلطان بس الفرصة دي عشان امه..والله امه اتحسنت او هو قدر يدافع عنك كان بها.. محصلش حاجه من دي فأنتي غالية و الف مين يتمناكي.
همست قائلة بيأس:بس انا عايزاه هو.
بادر العم سيد:وانا بقولك اهو خديها كلمة مني.. الواد دا بيموت فيكي.. و زي ما وقف قدام امه و العقربة الي كانت معاها عشانك ف هو هيعمل كدا مليون مره بس متتخليش انتي عنه.. و ربنا يابنتي يهدي سركم و يبعد عنكم العين.
وجدها تنهض فجأة و تغادر فناداها:رايحه فين دلوقتي؟
ردت و هي تغادر من بوابة المبني:رايحة انفذ اللي قولتلي عليه..مش خسارة فيك الكيكة.
ركضت مسرعة للخارج بينما هو رفع صوت أم كلثوم و عاد لجلسته المريحة و هو يتناول الكعك و الشاي..

أحمق في بيتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن