|٢٣|

112 8 0
                                    

تفحصت سمر المطعم و هي تسير في المقدمة مع عبدالرحمن و علي وجهها ابتسامة عريضة.. أشار النادل نحو إحدي الطاولات التي تكفي عددهم الكبير فجلسوا علي الطاولة التي كانت تطل علي المكان من الأعلي حيث يكشف الزجاج الشفاف عن الطرق و البحر و كوبري ستانلي المعروف..شهقت سلمي و أشارت للزجاج بضحكة بلهاء:وااو كوبري ستانلي اهو..انتو من امتي و انتو تعرفوا الأماكن النضيفة دي يولاد.. وبعدين دا اكيد هيطلع غالي اوي.
طمئنتها فريدة بثقة:عيب عليكي كيس جوافه انا يعني؟
ترددت سلمي و هي ترد:مش القصد.. يعني مطعم سي فود كبير و علي البحر اكيد هيبقي بشئ و شويات.
نظرت لها فريدة نظرة خالية من التعبير ثم ردت:متكتريش ف الكلام.. كلمة كمان و هجيبلك دكر استكوزا يعضك من طي..
قاطعها عبدالرحمن عندما سعل بشدة بعدما لمح النادل يقترب منهم..أخذ طلباتهم و كاد أن ينصرف لتوقفه سلمي و هي تمسح علي معدتها:والنبي ياخويا قولهم ف المطبخ ميعوقوش احسن الواحد جاي من سفر و علي حلم بط..
أوقفها يحيي:انتي هتحكيله قصة حياتك؟ اتفضل يابني.
أنصرف النادل بعدما رمق سلمي بنظرات مريبة بينما عائشة بادرت:نفسي افهم بتقعدي مع سيف باشا ازاي اكيد بتروحي تفضحيه في الكافيهات.
ردت سلمي بتعالي و هي تضع ساق فوق الأخري:دا انا معاه أدي دروس ف الإتيكيت.. انا بس اللي ببقي علي طبيعتي معاكم.
ضربتها فريدة في ساقها:طبيعه مهببه.. نزلي رجلك يابت.. اقسم بالله لو ما اتلميتي لأنزلك تاكلي من كشري التحرير.
أنزلت سلمي ساقها و ضمت ذراعيها لصدرها بتذمر:ياربي بقا هي هتذلني عشان هتحاسب يعني!
أقترب النادل و هو يحمل صحون صغيرة ليضعها أمام كلاً منهم في حين مد عمار يديه ليأخذ صحنه من النادل بحماس شديد:عفارم عليك يا ولِد.. احسن انا مدوقتش شوربة الكوارع دي من العيد اللي فات.
رد النادل متعجباً:كوارع ايه يا فندم.. دي شوربة سي فود.
تبادل الرفاق النظرات بإحراج شديد بينما عبدالرحمن رد بإبتسامة مصطنعة:هو عارف طبعا هو بس صاحبنا بيحب يهزر.
اومأ النادل برأسه متفاهماً و أنصرف ليحضر باقي الأصناف.. شمر عمار عن ساعديه ثم حمل الصحن بكفيه و قربه من فمه ليوقفه يحيي و هو يمسك يديه:ابوس ايدك دي مش شربة كوارع بجد..بالمعلقة ها.
أمسك عمار الملعقة و أرتشف أول رشفة فأصدر صوتاً مزعجاً جعل كل من يجلس بالمطعم ينتبه نحوهم.. اخفي عبدالرحمن وجهه بإحراج و هو يهمس له من بين اسنانه:بتعمل ايه يا جلوص الطين انت!!
أجابه عمار متعجباً:الله انتو مش جولتوا بالمعلقة؟
بادرت سلمي التي تمصغ طعامها و هي مشمئزه:هو ايه ياخويا اللي عامل زي الكوتش ف بوقي دا؟
اجابتها فريدة بنفاذ صبر:دا اسمه سبيط.
ابعدت سلمي الصحن بتعجرف:سبيط ايه دا ياختي..لا انا مليش ف الكلام دا ناوليني سمكه بوري من قدامك.
رفع يحيي قطعة كابوريا و تحدث بصوت مصطنع:أين نقودي يا سبونچ بوب؟
لم تتمالك عائشة علي كتم ضحكاتها و هي ترتشف من صحن الشوربة..و فجأة لم تري فريدة سوي رذاذ الشوربة الذي ملأ وجهها و ملابسها فشهقت فريدة بقوة و ابتعدت بالكرسي.. اختل توازنها و سقطت أرضاً بالكرسي الخشبي.. و من شدة ضحك الرفاق و فريدة نفسها ظلت فريدة مكانها لعدة لحظات حتي تمالك يحيي نفسه و ساعدها علي النهوض.. و رغم أن كل من بالمطعم كان يراقبهم بضحك تارة و أستغراب تارة أخري ولكنهم لم يهتموا.. لقد اشتاقوا حقاً لهذه اللحظة المرحة التي يمضوها معاً.. ذهبت فريدة للمرحاض لتغسل وجهها و ملابسها و هي مازالت تضحك بينما الرفاق أكملوا طعامهم.. حمل يحيي شيئاً في كفه و هو يقول لعبدالرحمن:افتح بوقك يالا يا عبده.
فتح عبدالرحمن فمه ليقذف يحيي قطعة من الجمبري المقلي في الهواء و سرعان ما يلتقطها عبدالرحمن كصياد ماهر.. مضغها عبدالرحمن بإبتسامة متسعة ليكرر يحيي لعبته معه عدة مرات.. عادت فريدة من المرحاض و هي تراقب الموقف فتسائلت ساخرة:فقرة الدولفين و صاحبه دي ولا ايه؟
جذبها يحيي بجواره قائلاً:اقعدي اقعدي..بصي الحركة دي.
كرر يحيي لعبته مجدداً و سرعان ما يلتقطها عبدالرحمن داخل فمه.. أدارت فريدة وجهها نحو النادل الذي يقف بعيداً يرمقهما بنظرات اشمئزاز..في حين مال عبدالرحمن نحو سمر و سألها:مبسوطة؟ الاكل عاجبك؟
أجابته سمر بإبتسامة متسعة و هي تمضع طعامها:الا مبسوطة!.. كفاية ان احنا سوا.
رد عبدالرحمن بحماس:طب يلا عشان هوديكم نحلي بقا ف حته كافية.
يسير كلاً منهم و هو يحمل مشروبه البارد يمزحون و يضحكون بصوت مزعج و منهم من يلتقط الصور و منهم من يغني بسعادة.. كلاً منهم يحتفل بتجمعهم معاً مجدداً بطريقته الخاصة و لكنهم الذي يجمعهم هو طريقتهم المبالغ فيها في الضحك.. و كأنهم في حالة ثمالة من كثرة الفرحة و الضحك.. أوقف عمار عربة ثم فتح بابها و نظر للداخل للحظات قبل أن يبعده عبدالرحمن قائلاً:انت بتدور علي حد جوا؟
رد عمار ببساطة:لا.
و سرعان ما انفجر جميعهم ضحكاً بينما الركاب تبادلوا النظرات بإستغراب.. صاح السائق:ما تخلص يعم منك له هتركبوا ولا لا؟
أسرع عمار:هنركب هنركب..أيدك معايا كدا يا حجة.
أستند عمار إلي يد المرأه العجوز و هو يرتجل العربة فتمتمت العجوز:خيبة عليكم شباب بايظ.
صعد عبدالرحمن و جلس بجوار عمار و تبادلوا النظرات قبل ان يقول عمار بثمالة:انت تاني.
ضحكا معاً بقوة لدرجة أن أعينهم دمعت..ركبت الفتيات في المقعدين الاماميين و لم يتبقي سوي يحيي الذي تحدث ببطء و برود شديد:ايه دا.. هو مفيش مكان! خدني بقا علي رجلك يسطا.
زجره السائق بغلظة:خدك جن يا بعيد.. انت شارب ايه يالا؟
أجابه يحيي بنظره بريئة:ميلك تشك والله.
تمتمت العجوز مجدداً:شباب أخر زمن.
صاح يحيي في العجوز:بقولك ايه بقا انتي من ساعتها وانتي قارشه مالحنا ولا اكن الميكروباص بتاعك ما تتكلمي عدل يا حرمه.
ترجل السائق من العربة فوراً و أتي ليلقن يحيي درساً..أخرج سلاحه من سترته "مطوه قرن غزال" ثم جذب يحيي من سترته حتي كاد أن يخلعها له:بقولك ايه يابنال.. انت معطل امي انا و الناس الطيبة دي عشان تقف تعمل نمره..انا هعلمك تعملها ازاي.
فتح مطوته و لوح بها فأسرع يحيي ليتمسك ببنطاله:لا انا بعرف اعملها لوحدي ميرسي جدا يا اسطي.
دفعه السائق داخل العربة قائلاً:اركب يالا يا... و مسمعش حسك.
وجد يحيي نفسه جالساً علي ساقي سلمي و أنغلق باب العربة.. ساد الصمت الشديد و الجميع ينتابه الرعب.. همست له سلمي:عملتها؟
سألها يحيي:هي ايه؟
أجابته:النمرة.
رد يحيي ببساطة:انا لو عملتها انتي اول واحده هتحسي بيها
مد عمار يده من الخلف و هو يقول لسمر:خدي يا سمر قوليله 7.
مدت سمر يدها للسائق بالنقود قائلة:خد يسطا 7من ورا.
تبادل عمار و عبدالرحمن النظرات قبل يضحكا بقوه.. حظرهما السائق بصوته الغليظ:اللي هسمع حسه هرميه ع الطريق.
مرت الدقائق و السائق يسلك طرق غريبة مظلمة و بدأ الركاب يشعرون بالملل.. سألت العجوز فريدة:ألا هو احنا فين يابنتي؟
نظرت فريدة حولها فلم تجد أي إشارة واضحة للطريق المراد:احنا تقريباً علي الكيلو 52.
سألتها العجوز مجدداً:يعني قربنا؟
طمئنتها سمر:ايوا يا حجة خلاص دا احنا عدينا البراميل.
اومأت العجوز مطمئنه بينما فريدة و سمر تبادلوا النظرات بقلق من ذلك السائق المريب الذي يسلك طرق غير معروفة و مرعبة بالمرة.. مرت دقائق أخري و بدأ القلق ينتاب الجميع فسأل يحيي السائق:لسه كتير علي ما نوصل يا عمو؟
رمقه السائق بنظرة حارقة من خلال المرآة ثم رد بنبرته المرعبة:انا مش قولتلك يالا يا... مش عايز اسمع حسك.
أدار يحيي وجهه بقلة حيلة فلمح العجوز تنظر له بشماته.. مسح علي ذقنه بتوعد و هو يهمس لها:لما نوصل بس و ربي لانفخك.
نظرت له العجوز بكبرياء ثم أدارت وجهها.. تألمت سلمي و هي تعتدل في جلستها:اااه رجلي نملت يا اخي.
تشبث يحيي في عناقها كالطفل و هو يقول بترجي:لا ابوس رجلك اجمدي بدل ما يرميني ع الطريق المقطوع دا.
ابتعد و هو ينظر لها نظره اغراء:و إلا تقومي انتي وتقعدي علي حجري انا.
انهالت عليه سلمي بالضرب فأخذ يهمس لها بأن تتوقف.. رمقهما السائق بنظرة تحذيرية فتجمد كليهما و حل الصمت.. دقائق أخري مرت قبل أن يأخد السائق طرق أخري معروفة فبدأ يطمئن قلبهم..ترجل الرفاق من العربة و بينما تستند سلمي إلي عبدالرحمن و فريدة من ألم ساقها اوقفهم صوت السائق و هو يقول:اسمع يالا منك له.. لو لمحتكم ف اي موقف هتزعلوا جامد.. و خصوصاً انت يا..
انتبه له يحيي بنظرة بلهاء ليردف السائق و هو يلوح له بالمطوه فأسرع يحيي:خلاص يسطا وصلت..مع ألف ألف سلامه.
رمقه السائق بنظرة إشمئزاز قبل أن ينطلق بعربته.. أخذ سلمي تتمتم بالسباب ليحيي:منك لله يأخي كسرت ركبي.. انت كام كيلو يالا؟
ابتسم لها ابتسامة طفولية:لا مش هقولك عشان هتحسديني.
تنهدت بنفاذ صبر و هي تسير بمساعدة فريدة قبل أن يرن هاتفها فأخرجته من حقيبة يدها الصغيرة و نظرت لشاشة الهاتف بإبتسامة بلهاء.. أدركت فريدة المتصل للتو و ابتسمت ساخرة بينما سلمي أجابته بسعادة تغمر قلبها:حمدلله ع السلامة.. مرضتش اتصل بيكي طول اليوم قولت تعبانه من السفر و نايمة...ايه الصوت دا؟ انتي برا ولا ايه؟
أجابته سلمي:اه عبده و فريده كانوا عزمينا ع الغدا برا و لسه مروحين.
صمت سيف لعده ثواني ثم أتي صوته منزعجاً عبر الهاتف:ف التوقيت دا؟.. طيب ي سلمي.
صمتت هي الأخر و انكمشت ابتسامتها بعدما ظنت أنه هكذا سينهي المكالمة.. ولكنه أردفت:يناسبك اقابلك بكرا بعد الجامعة؟
عادت ابتسامتها ترتسم علي شفتيها و أسرعت بالرد:يناسبني طبعاً.
سمعت صوت أحدهم يُحيي التحية الرسمية له قبل أن ينهي المكالمة بقوله:تمام هعدي عليكي بالعربية العصر كدا.. هسيبك دلوقتي بقا عشان عندي شغل كتير.
أغلقت هاتفها و قفزت في مكانها بسعادة:هقابله بكرا بكرا بكرا.
نظرت فريدة لها بتعجب من حالها الذي تغير للتو و ساقيها التي تقفز بهما بكل نشاط و فرحة:كتكوت من عندك يارب يغير حالنا كدا.
دفعتها سلمي داخل المبني:ياختي قولي ماشاءالله خمسه وخميسه ف عينك.

أحمق في بيتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن