توقفت سيارة أجرة امام إحدي المقاهي المطلة علي ساحل البحر و ترجل منها يحيي و برفقته فريدة..لمس يدها و هو يهمس:حاولي تهدي و متضايقيش نفسك و لو في حاجة كلميني.
اومأت برأسها له و قد بدا علي وجهها الاختناق و الضيق.. بحثت بعينيها عن والدتها حتي وجدتها تلوح لها فألتفتت ليحيي و قالت:شكراً يا يحيي..روح مشوارك انت بقا.
اومأ برأسه ثم افلت يدها و رحل بينما هي تنفست بعمق قبل ان تقترب من طاولة والدتها.. نهضت والدتها مسرعة لتعانقها بقوة.. لم تعانقها فريدة و شعرت بالإختناق أكثر عندما ضمتها والدتها و كانت تود ان تدفعها.. ابتعدت والدتها و هي تجذبها لتجلس في مقابلتها:وحشتيني يا فريدة..عاملة ايه و اخبارك ايه؟
اومأت فريدة برأسها و هي ترد:كويسة.
سألتها بفضول:مين الشاب اللي وصلك دا؟
ردت فريدة بصوتها الذي يرتجف:دا يحيي زميلي ف الكلية.
ابتسمت والدتها و هي تتأملها:و اتحجبتي كمان ماشاءالله.
ابتلعت فريدة لعابها بصعوبة قبل ان ترد:كانت امنية جدو الله يرحمه.
اختفت الابتسامة عن وجه والدتها و هي ترد:الله يرحمه و يحسن اليه..انا عارفة ان موت بابا أثر فيكي كتير..
قاطعتها فريدة فجأة:انتي عارفة ايه اكتر حاجة مأثرة فيا؟
صمتت والدتها و هي تتمني ألا تخوض هذه المحادثة في حين ألتمعت عيناي فريدة بالدموع و هي تقول بغيظ:انتو.. انتو الحاجة الوحيدة اللي مش قادرة اتخطاها و لا انساها.. علي الاقل جدو لما بفتكره بفتكره بكل خير.. لكن انتي يا امي يالي جبتيني الدنيا.. انا مش بفتكرلك غير شويه الملاليم اللي بتبعتيهملي كل شهر.
مسحت فريدة الدموع التي فرت من عينيها في حين أسرعت والدتها التي حملت يدها بين كفيها:عشان كدا كلمتك انهارده.. انا ندمانه عن كل حاجة وحشة اتسببت فيها و عن كل الوقت اللي سبتك فيه لوحدك.
رفعت فريدة رأسها لها و هي تناظرها بصدمة في حين أقتربت والدتها و جلست بجوارها:اديني فرصة اعوضك عن اهمالي السنين اللي فاتت.. انا جيالك و انا بدعي تسامحيني.. مش عايزه غير انك تديني فرصة.
صمتت فريدة طويلاً و هي تنظر لها بذهول:ايه اللي رجعك بعد السنين دي كلها؟ جايه تفتكري ان عندك بنت بعد عشرين سنه؟
ارتبكت والدتها و هي تخفض رأسها بأسف في حين أردفت فريدة و هي تلقي كلماتها بمنتهي القسوة:انا بكرهك و بكره بابا و بكره اليوم الي جبتوني فيه الدنيا و رميتوني لوحدي.
بدأ من حولهم في المقهي ينتبهون نحوهما و شعرت والدتها بالإحراج بينما فريدة التي كانت الدموع تنهمر من عينيها:انتي سبتيني في عز منا محتجاكي للدنيا تلطش فيا لا ليا اب و لا ام و لا عيلة.. خلتوني يتيمة الاب و الام و انتو عايشين بتلفوا العالم و انا مش لاقيه ايد تطبطب عليا حتي..خلتوني سنين بشحت حبكم و اهتمامكم و مكنتش بلاقي غير شويه فلوس بتترمي ف وشي..انا مش عايزه فلوس و لا عايزه زفت.. انا كنت عايزاكم انتم.
تجمعت الدموع في عينيها حتي اصبحت الرؤية غير واضحة و مازالت تصرخ في والدتها:انتي عمرك ما كنتي و لا هتكوني امي.. انت متعرفيش يعني ايه امومة اصلا و لا عندك قلب.
اقتربت والدتها منها لتحتويها و لكن فريدة دفعتها ثم جذبت حقيبة يدها:متقربيش مني.. انا مش عايزاكي تظهري ف حياتي تاني و لو سمحتي سبيني ف حالي بقا.
حملت حقيبتها و هي تركض خارج المقهي بوجه باكي متورد من شدة الغضب و الصراخ.. أخذت تلتقط انفاسها بصعوبة و هي تسير في الشوارع لا تعلم أين تقودها قدميها..تسير و هي تبكي تارة و تهدأ تارة.. تسير وسط الزحام و ضوضاء المدينة و لكن صخب رأسها كان أعلي..سمعت رنين هاتفها فأقتربت لتجلس علي إحدي الأرصفة بعدما شعرت أن قدميها لم تعد تستطيع حملها ثم اخرجت هاتفها لتجيب علي يحيي..سمع صوت بكاءها و شهقاتها الخافتة فخفق قلبه هلعاً:انتي بتعيطي؟ في ايه مالك!
لم تجيبه فريدة و أخذت تبكي بقوة في حين سألها هو مسرعاً:طب انتي فين طيب وانا اجيلك؟
نظرت حولها فوجدت نفسها في منطقة تجهلها و مكتظة بالزحام فردت ببكاء شديد:مش عارفة انا تايهه.
ذم شفتيه و هو يفكر ثم رد:طب ابعتيلي اللوكيشن بتاعك ع الواتس و انا جيلك حالاً.
دقائق معدودة مرت و هي علي حالها.. تضم حقيبتها لصدره و هي تجلس منكمشة تبكي كالطفلة الضائعة حتي وجدت أحدهم يمد يده لها..اليد التي كانت تمتد لها دوماً من بعد جدها.. رفعت رأسها لعبدالرحمن بذهول فقد توقعت أن يحيي الذي سيأتي..تشبثت في يده و هي تنهض ثم يجذبها لتركب سيارته الفخمة..كانت جالسة في المقعد الخلفي تستنشق الهواء البارد الذي يأتي من نافذة السيارة.. كان عبدالرحمن يتحدث لها طوال الطريق و لكنها لم تستمع لكلمة واحدة حتي وقعت عينيها علي يحيي الذي وقف علي إحدي الأرصفة.. ألتمعت عينيها و كأنها كالغارقة التي لمحت طوق النجاة.. ركض يحيي نحو السيارة و ركب بجوارها و هو يسألها بلهفة:انتي كويسة؟ ايه اللي حصل لكل دا؟
لم تجيب فريدة و لكنها أرتمت في احضانه و عادت لتبكي بقوة.. ارتبك يحيي عندما تشبثت في عناقه و تبادل النظرات مع عبدالرحمن الذي نظر له من خلال مرآة السيارة و لكنه انطلق بالسيارة..حاوط جسدها بذراعيه و هو يربت علي ظهرها:طب اهدي طيب عشان تعرفي تحكيلي.
بدأت تلتقط انفاسها و يهدأ جسدها تدريجياً و لكنها لم تفارقه و هو أيضاً لم يود أن تبتعد عنه.. سكن جسدها تماماً و بدأت تسترخي مع نسمات الهواء بعدما شعرت بالاطمئنان بين ذراعيه.. سكنت لدرجة أنها نامت كالطفلة.. يدور عبدالرحمن بالسيارة منذ وقت و يحيي الذي حمل رأسها فوق فخذه يمسح علي وجنتها بيده الحنونة بعدما مددت جسدها بطول المقعد الخلفي.. يعم الصمت و كلتا الشابان شاردان في الطريق بضيق و تأثر علي حال تلك الفتاة المسكينة.. بادر يحيي ليقطع هذا الصمت:طب هي محكتلكش اي حاجة؟
رد عبدالرحمن:منطقتش بكلمة.
شعر يحيي بيدها تلمس يده التي تمسح علي وجنتها و تجذبها لتقبل كف يده.. نهضت و اعتدلت في جلستها في حين سألها عبدالرحمن:عامله ايه دلوقتي؟
أمسكت برأسها و هي تتألم:دماغي هتفرقع.
رد يحيي:من العياط اللي عيطيه..مش هتحكي حصل ايه طيب؟
اجابته فريدة:مش قادره دلوقتي بعدين..ممكن تروحني يا عبده؟
اومأ عبدالرحمن برأسه:حاضر اللي يريحك.
سمعت ملك صوت طرقات علي باب منزلهن و هي تجلس تتفحص هاتفها.. سمعت صوت الطرقات مجدداً فنهضت بتكاسل و هي تغادر غرفتها:هو مفيش غيري فالبيت انا زهقت.
شهقت بفزع عندما رأت فريدة بحالتها تلك و تستند إلي يحيي و عبدالرحمن.. جذبتها نحوها و هي تعانقها برفق:مالك يا قلبي عملوا فيكي ايه الكلاب دول؟.. مين فيكم اللي عيطها كدا انطقوا.
رد يحيي:ياستي و ربنا ما حد فينا جه جمبها.. خشي بس وصليها لسريرها و خلي بالك منها والنبي.
نظرت لهما من الأعلي للأسفل باستهزاء:هو انا محتاجة توصيتكم يا اخويا.. يلا امشوا دا سكن بنات و الوقت متأخر.
ألتفت عبدالرحمن لينزل الدرج قائلاً:يلا تصبحوا علي خ..
لم يكمل جملته و كانت ملك قد أغلقت الباب.. تبادلا النظرات بإحراج قبل أن يقول يحيي:ذوق اوي ملك دي.
أنت تقرأ
أحمق في بيتي
Humorمجموعة من الفتيات و الشباب يجمعهم القدر ليعيشوا تحت سقف واحد رغماً عنهم.. يذهبون للجامعة معاً و يتناولون الطعام علي نفس المائدة كعائلة واحدة.. و لكن كيف سيتأقلمون علي هذا الوضع وسط تحديات تلك الحياة الجديدة مع أناس و بلدة جديدة!.. سيندمجون رغم اختل...