|٢١|

122 7 0
                                    

فتحت ذراعيها بفرحة غامرة ثم ألقت بجسدها علي الفراش.. تشعر و كأنها كالفراشة و تحمل جناحين مثلها لتحلق بهما في كل مكان بسعادة.. لم تتذكر أخر مرة كانت فيها بتلك الحالة و لكنها تحمل العديد من المشاعر اللطيفة منذ ليلة أمس.. منذ لقائهما الأول الذي تظنه مضحكاً أكثر من كونه رومانسياً بالإضافة للوقت الذي امضته معه الليلة.. مازالت تستطيع تذكر الطريقة الذي كان ينظر بها لها..نظرت لسقف الغرفة و قالت:مش مصدقة انه عزمني برا و اتكلم معايا كل الوقت دا..اه لو تشوفوه يا بنات..يخراشي علي عينيه و دقنه.. ولا وهو بيضحك.. حاجه تطير العقل!
اعتدلت في جلستها و أردفت:انا حاسه اني هحبه و هطلع نزوه ويروح يتجوز واحده تانيه غيري و يجيبلها شقه ف العالمين و يدخلوا عيالهم مدراس انترناشونال.
انهت جملتها لتلاحظ صمتهن الشديد و هن ينظرن لها نظرات خاليه من اي تعبير.. طال صمتهن لثواني حتي رفعت سمر يدها بحقنة ذات إبراه طويلة:هتديلي الحقنة ولا أخش لعبده يديهالي وافضحكم؟
تنهدت سلمي ثم ردت:هديهالك.. وبعدين عيب تكشفيها علي حد غريب و بنت خالتك موجوده..هو انا بياعة لبن؟
نهضت سمر و أعطتها الحقنة بينما فريدة بادرت:والله شكلك بالبالطو شبه اللي شغالين ف معامل الالبان.
ضحكت لها سلمي ضحكه استفزازية بينما سمر أستدرات بقلق:والله انا عندي استحمل البرد ولا اني استحمل ايدك التقيلة.. بس اعمل ايه مضطرة عشان الامتحانات.
أزاحت سلمي الغطاء البلاستيكي قائلة:عيب منك بقا دي شكة دبوس..اهو بصي.
أغمضت سمر عينيها بإستسلام و هو تدعو الله بداخلها و لم تمر ثواني و أنقلب الدعاء إلي السب و ترديد كلمات غير مفهومة.. انفزع يحيي من نومه علي صوت صراخ فخفق قلبه أو بالأحق شعر بالفضول..
تدور سمر حول نفسها بالغرفة و هي تردد السباب والشتائم:انا مكنش ينفع اثق في دكتوره البهايم دي..مستقبلي ضاع يا ناس.
بادرت عائشة مازحة:مستقبل ايه و بعدين ما مدوره و زي الفل اهي..لفي كدا.
قذفتها سمر بالوساده غاضبة ثم قاطعهن صوت طرقات علي باب الغرفة.. همست سلمي:اكيد سمعوكي وانتي بتصرخي عجبك كدا؟ فضحتينا.
نهضت فريدة لتفتح باب الغرفة لتجده يحيي الذي سرعان ما تفحص الغرفة بعينيه:انا سمعت حد بيصرخ في حاجه ولا ايه؟
ارتبكت فريدة و هي تفكر في رد ثم أجابته بتلعثم:لا مفيش.. دي سمر قفلت الدرج علي صوباعها بس.
نظر للداخل ليجد سمر تجول بالداخل و هي تمسح علي مؤخرتها متألمة:صوباعها بردو؟
اتسعت عيناي فريدة و هي تنظر له بحدة ليردف بنبرة عالية:لا ألف سلامة علي صوباعك يا سموره..لو عوزتي اعملك كمادات عرفيني انا عندي خبره في الصوابع بردو.
أشارت سمر نحو يحيي بإصبعها و قالت بنفاذ صبر:مشوا ابن الكلب دا من قدامي.
بينما فريدة همست له:تصدق ليك حق يتقبض عليك في تحرش.. غور يالا نام.
لوح بيده متذمراً و هو يرحل:انا غلطان خيراً تعمل شراً تلقي صحيح.

أنهت قهوتها و وضعت الفنجان جانباً ثم اعتدلت في جلستها علي الفراش و جلبت بعض الأوراق و الكتب لتبدأ مذاكرتها و لكنها تذكر للتو ليلة أمس.. تلك السعادة الغامرة التي كانت تعمر قلب سلمي و لمعة عينيها و هي تحكي لهن..تذكر المرة الأولى التي كانت سلمي فيها بتلك المشاعر عندما كانا في الصف الرابع الابتدائي..ضحكت سمر و هي تتذكر كل تلك الذكريات اللطيفة التي عاشتها في طفولتها مع ابنة خالتها و صديقتها المقربة.. ولكن متي سيحين الوقت لكِ يا سمر؟..إنها تعلم جيداً أنها ليست قبيحة قط بل تزخر دوماً بإعجاب الجميع.. و لكن ربما تحتاج إلي بعض التغيير!.. كان تلك الأفكار التي تدور برأس سمر لدقائق معدودة قبل أن تتخذ قراراً هاماً و تنهض بكل إصرار و عزيمة ثم تفتح باب غرفتها.. وقفت أمام رفاقها الذين جلسوا متفرقين كلاً منهم منشغلاً بدراسته أو يتفحص هاتفه.. بدأ يلاحظها الجميع قبل أن تتنفس بعمق و تقول بنبرة تملأها العزيمة:انا قررت.. أعمل دايت.
ساد الصمت لثواني معدودة و لم يبدي الجميع أي ردة فعل قبل أن ينفجروا ضاحكين فجأة.. تضايقت سمر و أرتبكت كثيراً:انتو بتضحكوا علي ايه! علي فكرة انا مش بهزر..انا هعمل داي..
قاطعها عمار و هو يضحك بقوة و وضع يده علي معدته التي ألمته من كثرة الضحك:دايت اييه اللي تسويه يسمر! عاوزه تبقي كيف ليدي جاجا عاد.
ضحكوا ساخرين من عمار بينما سمر سخرت هي الأخر:لا يا سكر مش كيف ليدي جاجا وبعدين ليدي جاجا جسمها مسلوع اصلا.. انا عاوزه ابقي كيف الفنانة هيفاء وهبي.
ابتسم وجه سمر بمجرد تخيلها تحقيق ذلك ليقاطعها يحيي بين ضحكاته:لا كدا وسعت منك اوي يا سمر وبعدين انتي عارفه في كان عربية كبده هتقفل بسببك؟ يابنتي دا انتي مصدر رزق عم حسين بتاع عربية الفول.
ضحكوا مجدداً بينما سمر ضمت ذراعيها و هي تقول بثقة:اتريقوا زي ما تتريقوا..انا عندي ارادة و عزيمة و هتشوفوا انا هعمل ايه.
بادرت عائشة:طب سيبك سيبك.. انا عاملة ع الغدا كشري مصري يستاهل بوقك.
ألتمعت عيناي سمر بحماس:اقسم بالله؟.. طب بصي زوديلي الصلصة و الدقة ها.
سألتها عائشة بإستغراب:طب و الارادة و العزيمة؟
نست سمر تماماً و تسائلت:عزيمة ايه؟ اه لا انا بهزر معاكي يا شوشو.. عن اذنكم بقا عشان هبدأ اول خطوة في هدفي.
سألتها فريدة ساخرة:ايه هتتغدي بنص فرخه بس ولا ايه؟
ردت سمر بعدم اهتمام:لا هنزل اجري و ألعب رياضة.
اتجهت لغرفتها و أغلقت الباب بينما الرفاق تبادلوا النظرات بعدم تصديق:دا باينها كدا هتعملها بجد.
بادرت سلمي متعجبة:وبعدين دايت ايه سمر مش تخينة اصلا!..البت دي اتجنت؟
انهت جملتها ليُفتح باب الغرفة و تخرج سمر و هي ترتدي ملابس مريحة و رفعت شعرها علي شكل كعكة عشوائية و اتجهت نحو الباب و هي ترتدي حذائها.. تبادلوا النظرات بذهول بينما عبدالرحمن نهض مسرعاً:انتي هتنزلي تجري لوحدك و الناس هتسيبك ف حالك يعني؟.. طبعاً هتلاقي امثال يحيي في كل مكان.
رفع يحيي حاجبيه مندهشاً:الله! ما تصلي ع النبي ف قلبك ياعم انا جيت جمبك.
تجاهله عبدالرحمن و أردف:أصبري طيب هغير و أجيلك.
و كأنها كانت تتمني ذلك منذ البداية فوافقت فوراً و لكنها تظاهرت بالإنزعاج.. خرج بعد دقائق قليلاً يرتدي ملابس مريحة و حذائها الرياضي فلم تستطع أن تخفي ابتسامتها له.. بينما عبدالرحمن ضحك بعدما لاحظ يحيي الذي غمز له سراً بخبث..
سارت سمر بخطوات هادئة و هي تتحدث له:مكنش ليها لازمه محدش هيركز معايا يعني.
رد عبدالرحمن:يتهيألك انتي بس كدا.. وبعدين احنا كدا نعوم مع البط في البحيرة افيدلنا.
ضحكت سمر و رفعت أصبعاً بحذير:متتحدانيش انا احسن مش هتعرف تلاحقني.
رد عبدالرحمن ضاحكاً:ارمحي انتي بس و ملكيش دعوه.
ركضت سمر علي طول الكورنيش و هي تتخطي الجالسين ولكنهم قلة فالتوقيت باكر و الطقس بارد..كان من الطبيعي أن يتخطاها عبدالرحمن لأنه الأقوي جسمانياً و ذو جسد رياضي فهو يمارس كل أنواع الرياضات منذ طفولته و لكنه أخفض من سرعة ركضه كي يتركها هي المتصدرة.. حقاً لم يتوقع أن تكون بهذه الرشاقة و السرعة.. وجدها تتوقف لتلقط أنفاسها فوقف إلي جانبها:ها استسلمتي؟
ردت سمر و هي تلتقط أنفاسها بصعوبة:أنسي.. دا انا هجريك ورايا لحد البيت.
ضحك عبدالرحمن و هو يغازلها:دا بايني هجري وراكي العمر كله.
ابعدته سمر و هي تمازحه:ما بلاش بقا الكلام اللي يسيب المفاصل دا.
رفع كفيه مازحاً:لا و علي ايه..اتفضل يا غزال ارمح براحتك.
ضحكت سمر ضحكتها الجذابة ثم ربتت علي كتفه بحماس و ركضت مجدداً في طريق العودة و ركض خلفها مجدداً و هو ينظر يميناً و يساراً ليحميها.. وصلت إلي أول الشارع التي تسكن في إحدي مبانيه ثم أستدارت له و هي تلتقط انفاسها و تمسح جبينها:ايه اللي انا عملته ف نفسي دا كان لازم يعني أعمل فيها سترونج ومان!
رد ساخراً:ما قولنااالك وبعدين انتي مش عيانه بقالك يومين؟
أجابته سمر:لا ما سلمي امبارح ادتني حقنه خلتني زي الحصان.. مكنش ناقصني غير الديل.
ضحك عبدالرحمن و قال:حد يثق ف دكتوره البهايم دي بردو!
مرت من البوابة الحديدية و هي تضحك معه ثم ألقت السلام علي عم سيد الذي نظر لهما بشك ثم صعدت الدرج.. أوقفها عبدالرحمن عندما تذكر شيئاً:سمر.. هو انتي امبارح قلقتي عليا فعلاً؟
تجمدت سمر بخجل شديد عندما تذكرت عناقه بالأمس.. اقترب منها أكثر و سألها بنبرة خافتة:انا انبسط اوي لما حضنتيني امبارح.. كنت مضايق و متعصب جدا و هديت.
لم تجد سمر ما تقوله و بدأت تشعر بسخونه في وجنتيها و ازدادت ضربات قلبها و هي تجده يقترب منها أكثر و يناديها همساً بصوته الدافئ:سمر..ممكن لما اعوزك تحضنيني تحضنيني؟
خرج صوتها من حنجرتها مرتجفاً:حاضر.
أقترب أكثر و هو يقول بنظرة لم تستطيع سمر مقاومتها:ممكن تحضنيني دلوقتي؟
ترددت كثيراً و لكنها وقفت علي أطراف أصابع قدمها و تشبثت في عناقه و هي تمسح علي ظهره بلطف.. شعرت بأنفاسه تخفت و جسده يسكن و كأنه يستعد للنوم.. ألهذه الدرجة شعر بإرتياح؟.. قاطع تلك اللحظة العاطفية صوت باب المنزل الذي فتحه يحيي و خرج و هو يسب رفاقه منفعلاً:عليا النعمة ما انا رامي زبالة تاني لأخره الشهر.
أغلق الباب بقوة و أردف:جتكم القرف.
شهق بصوت عالي عندما لاحظ لسمر و عبدالرحمن اللذان وقفا ينظران له بإرتباك..كتمت سمر ضحكاتها عندما اختل توازن يحيي من الفزعة و كاد أن يسقط و لكنه تشبث في الحائط و الكيس البلاستيكي:يخربيت ابوكم بتعملوا ايه ع السلم كنتو هتوقفوا قلبي!
رد عبدالرحمن:هنكون بنعمل ايه كنا طالعين.. وسع كدا شويه بالكيسة دي.
أفزعتهم جميعاً سلمي التي ظهرت فجأة من خلف يحيي و هي تقفز بسعادة:عملي ادد ع الفيس.. عملي ادد.
دخلت سمر و خلعت حذائها و هي تقول بسخرية:ياختي محسساني انه جاي يتقدملك بكرا.
ألتمعت عيناي سلمي و هي تتخيل بعدم تصديق:هو.. هو فعلا ممكن يجي يتقدملي!
ردت سمر و هي تجلس علي الأريكة بإجهاد:وليه لا.. انتي بقا لو شاطره تجيبي رجليه.
تسائلت سلمي ببلاهة:اجيب رجليه ليه؟ هو انتي عايزها ف حاجه؟
قذفتها سمر بالوسادة بينما بادرت عائشة التي تجلس علي الأريكة بجوار سمر:قصدها يعني توقعيه يا غبيه.
قاطعهن رنين هاتف سلمي فأتسعت عينيها و هي تقول بذهول:دا بيرن عليا.
ركضت مسرعة نحو غرفتها لتجيبه بينما سمر تسائلت:ألا هي فين البت فريدة؟

أحمق في بيتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن