|٢٩|

99 7 0
                                    

وقف يراها و هي تفلت يدها للمرة الأخيرة..كان مستسلماً و هو يري أجمل الاشياء التي حظي بها يوماً تتركه و ترحل.. و هو يقف ساكناً لا يجد ما قد يفعله ليمنعها..بكت عينيه و كأنه لم يبكي من قبل.. ها قد خسر والدته و حبيبته و صديقته المقربة في ساعة واحدة.. كيف يمكن للمرء ان يتحمل كل تلك الخسائر في آن واحد..
شعر بيد تربط علي كتفه فألتفت لعمار و سرعان ما عانق رفيقه..لمح ميار تغادر المبني و تليها والدته ثم يتجهان نحو سيارته.. لاحظته والدته و نظرت له نظرات الكبرياء خاصتها قبل ان يتفاجأ بها تفتح باب السيارة ثم تقودها.. حقاً ألن تتمسك به؟ هل السيارة هي ما تهتم لها وليس مشاعر هؤلاء الثلاثة؟ أم أنها تعاقبه و هو في هذا السن! .. لا يهم الأهم انها رحلت.. و رغم برودة الطقس و ملابسه التي ابتلت تماماً و لكنه كان متشايطاً من شدة غضبه.. ألتفت إلي حيث رحلت سمر و هو يبحث عنها قبل أن يجذبه عمار و هو يواسيه:هترجع والله.. مسيرها هترجع متقلقش.
أومأ عبدالرحمن بإستسلام ثم عاد للمبني معه..عاد مهزوماً و خاسراً لأعز ما يملك و أقربهم له..مجرداً من أمواله و سيارته التي طالما اعتبرها رفيقته.. جلس علي الأريكة و أراح ظهره للخلف و هو يغمض عينيه و كأنه بداخل كابوس مزعج للغاية.. الصمت يغيم علي المنزل كلاً منهم يجلس جانباً مهموماً و قلقاً بشأن سمر التي خرجت و لم تعد بعد و خصوصاً في هذا الوقت المتأخر و الطقس السئ.. يجلس يحيي أرضاً امام باب غرفة فريدة و هو يترجاها ان تسمح له بالدخول.. يستمع لصوت بكاءها الذي يمزق قلبه إرباً..و يتسأل لماذا جرحتها تلك الجملة خصيصاً؟ و لكن لأحد يدرك الأمر و يشعر بحجم اشتعال قلبها سوي عبدالرحمن..
الدقائق تمر بل و الساعات.. الجميع قلق بشأن سمر التي لم تعد بعد و لا تجيب علي هاتفها.. وقفت سلمي في الشرفة في انتظار عودتها بفارغ الصبر و تدعو الله ان تعود سالمة.. نهض عبدالرحمن من مكانه و هو يقول:انا مكنش ينفع اسيبها تمشي.. انا هنزل ادور عليها.
حاولت سلمي منعه و قالت ساخرة:هتدور عليها فين هتمشي تنادي عليها يعني؟
انفعل عبدالرحمن و هو يتجه لباب المنزل:اه هنادي عليها و هعمل اي حاجه بس ارجعها تا..
فتح باب المنزل و تجمد مكانه عندما وجدها في مقابلته.. مبتلة تماماً و تحاول اخفاء رجفتها.. رمقت بنظرة خالية من التعابير قبل ان تجذبها سلمي مسرعة:اللهم لك الحمد..قلقتينا عليكي يا سمر.. زمانك اتجمدي يا قلب اختك تعالي.
جذبتها نحو غرفتهن و أغلقت الباب بينما يحيي حتي لم يستطع ان يلمح فريدة بالداخل.. وضع عمار يده علي كتف عبد الرحمن و هو يجذبه:اديك اطمنت عليها..قوم خش اوضتك ارتاح.
اومأ عبدالرحمن برأسه و اتجه نحو غرفتهم و لحقهما يحيي مستسلماً..اخرج يحيي هاتفه و ارسل لها رسالة نصية يخبرها انه سيكون موجوداً في حالة احتياجها له و يرغب فقط بأن يطمئن عليها..
قرأت فريدة الرسالة و هي تجلس علي فراشها بعدما أهلكها البكاء.. الشمس علي وشك الشروق و الجميع قد خلد للنوم و الظلام يعم المنزل.. اعتدلت في جلستها برفق كي لا تزعج عائشة و قد تذكرت ان إحدي جيران جدها الحجة سميرة تمتلك نسخه مفتاح احتياطية في حالة الطوارئ وخاصة ان غيبوبة السكر كانت تأتيه مؤخراً.. ارسلت لها رسالة لأنها ستكون نائمة في ذلك الوقت و طلبت منها أن تزور جدها وتطمئن علي صحته.. اغلقت هاتفها ثم غلبها النوم لتنام ساعتين تقريباً و في الثامنة استيقظت بسبب رنين هاتفها..اعتدلت في جلستها فوراً و هي تجيب الحجة سميرة..في البداية شكرتها علي اهتمامها به قبل ان تسألها:هو عامل ايه طيب.. خليني اكلمه..
قاطعتها الحجة سميرة:متقطعيش قلبي يابنتي.. انا هقولك بس بالله تتمالكي نفسك.
نهضت مفزوعة من جلستها و صاحت:جدو حصله حاجه؟
مرت عدة ثواني و الحجة سميرة مترددة.. ثواني قليلة مرت علي فريدة و كأنها دقائق و ساعات.. سمعت فريدة صوت القرءان الكريم عن بعد وقت صمتها فخفق قلبها و اتسعت عينيها.. علمت منذ تلك اللحظة انه قد توفاه الله و لكنها تمنت ان تسمع غير ذلك:جدك محمود تعيشي انتي.
توقعت الحجة سميرة انها ستستمع الان لصوت صراخ و بكاء إن لم تفقد وعيها.. ولكنها وجدت صمت شديد لعدة ثواني.. فرت دمعة من عينيها و هي تقول بتماسك:انا هكلم ماما و خالو و هنيجي علي طول.
اسرعت الحجة سميرة:انا كلمتهم و هم ف الطريق خلي بالك انتي من نفسك يا بنتي.
أغلقت فريدة الهاتف و شعرت ان قدميها لا تستطيع ان تحملها بعد.. اسرعت لتجلس علي كرسي بلاسيكي في احدي جوانب الغرفة.. تنهمر الدموع من عينيها و هي تردد:صبر قلبي يارب علي قد حبي ليه.

أحمق في بيتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن