وقفت تقلب الطعام بملعقة خشبية و هي شاردة في الإناء.. تري عينيها للوهلة الأولي فتعرف كم أنهكهما الدموع و ذهب عنهما النوم.. سمعت صوت طرقات علي باب المنزل و من ثم تناديها أختها الصغري لتفتح الباب فردت:متفتحي انتي يا زينب انا بعمل الأكل.
ردت زينب:انا بعمل الواجب مش فاضية.
زفرت عائشة و ألقت الملعقة بإنفعال ثم وضعت حجابها علي رأسها و ذهبت لتفتح باب المنزل.. اتسعت عينيها بذهول غير مصدقة عندما وجدت فريدة و سمر و سلمي يقفن أمام بابها.. تلعثم لسانها و لم تجد ما تقوله فقط ارتمت في احضانهن بإشتياق.. تعانقن لعدة ثواني ثم ابتعدت و هي تسألهن:انتو جيتوا هنا ازاي؟
و قبل أن تجد أجابة وجدت والدتها تخرج لهن و هي تتسائل عن الطارق ثم تجمدت مكانها عندما رأت الفتيات.. نظرت لهن بغضب عارم و تحدثت بأسلوب فظ:انتو ايه اللي جابكم!
صعد يحيي و وقف امام باب المنزل و هو يقول بصوت مسموع:احمم.. اتفضل يا حج عبدالسميع.
سرعان ما افسحت الفتيات الثلاثة للحج الذي يضرب بعصاه الأرض في كل درج يصعده... كانت والدة عائشة مندهشة حتي رأته امامها.. اتسعت عينيها و انهالت فوراً علي يده تقبلها:خالي.. نورت بيتنا يا خالي..يا خطوة عزيزة.. بوسي ايد خالك يا بت.
أسرعت عائشة تقبل يده في حين تحدث الحج عبدالسميع بصوته الأجش الخشن:بس انا مش لوحدي يا سامية..انا معايا ضيوف.
أسرعت سامية ترحب بهم:علي راسي علي خالي كلهم.. اتفضلوا يا الف خطوة عزيزة.
دفعت عائشة بيدها و هي تهمس لها:خشي اوضتك انتي.
دخلت عائشة لغرفتها ثم وقفت علي بابها تلوح للفتيات بأن يسرعن.. تسللن الفتيات خلف الحج عبد السميع و ركضن لغرفة عائشة و تبادلن العناق و القبلات.. سار الحج عبدالسميع بهيبته الشديدة رغم كبر سنه و شعره الذي ملئه الشيب إلا أنه يحتفظ بقوته البنيانية و خطواته الواثقة و هو يضرب بعصاته الخشبية بقوة مع كل خطوة يخطوها..كان يرتدي جلباباً بنياً و يضع علي كتفيه ملحفه كبيرة و علي رأسه عمامته..لحقته الحجة صفية والدة عمار ثم عمار و يحيي.. مال يحيي نحو عمار و هو يهمس له:يخربيت كاريزمته.. ررهييبب..دا كهرب الجو وهو لسه متكلمش جملتين علي بعض.
همس عمار و هو يجلس علي الأريكة:شش اسكت.رفعت عائشة حاجبيها مذهولة:يخربيت دماغك يا واد يا يحيي..ربنا يكملها علي خير بس.
همت سمر بالوقوف قائلة:يإذن الله قومي انتي البسي بسرعة حاجة عليها القيمة عشان فريدة تلحق تلطخ وشك و تطلعيهم..و انتي يا منقوطة مش سامعه حاجه بردو؟
ردت سلمي التي تقف علي الباب تحاول الإنصات و تراقبهم بعينيها:مش سامعه حاجه خالص..بس امك قاعده لاويه وشها يا عايشة.
عدلت فريدة سترة عائشة و هي تقول:يجدعان متوتروناش بقا اهدوا..كدا كدا هيقنعها ان شاء الله.
أدارت سلمي وجهها للفتيات قائلة:الحقوا دا بيزعقلها..القوي له الاقوي منه بصحيح.
ضربتها سمر علي مؤخرة رأسها و هي تقول:اتلمي دي امها.
تسائلت عائشة:امال عبده مجاش معاكم ليه؟
اجابتها سمر:معرفش ياخد اجازه من شغله.
نطقت زينب التي كانت تجلس علي فراشها تراقب الموقف بصمت:يعني عايشة ممكن تتجوز الولد اللي برا دا؟
اومأت عائشة:يسمع من بوقك ربنا يا زينب.
نهضت زينب من فوق الفراش و هي تتجه نحو الباب:انهي واحد فيهم بقا؟
حملتها سلمي و أشارت لها نحو عمار:ابو دقن اللي قاعد دا.
وضعت يدها علي ذقنها و هي تنظر لعمار بتركيز:اممم.. شكله عسول..بس اللي جمبه احلي.
ضحكت فريدة:كلنا ياحبيبتي بنعجب بيه من اول مره بردو.
ضحكن معاً بسخرية عندما تذكرن المقابلة الأولي لهما معاً..أفلتت سلمي زينب و كادت تسقط فضربت بساقيها الباب..
حرك الحج عبد السميع بصره نحو الغرفة و أسكتتهم تلك الضوضاء التي أتت من الداخل.. ثم أكمل حديثه و كأن لم يحدث شئ:يعني انتي يا سامية مغلطيش قبل كديه؟ مخربطيش أي قرار في عمرك؟
تحاشت سامية النظر في وجهه و هي تقول:يا خال بنتي و سامحتها.. انما ضيوفك مفهمشي مجيتهم.
تبادلت الحجة صفية النظرات مع الحج عبدالسميع فأذن لها بالحديث لتقول بأسلوب مهذب:احنا چايين نطلب يد عايشة لولدي عمار.
نظرت لها سامية لثواني بعدما أدركت الأن أن الأمر اكبر مما تصورت و ليست مجرد زيارة لأعادة إبنتها لجامعتها و ما إلي ذلك..نادت بصوت مسموع:الشاااي يا عايشة.
وقف يحيي يقول بتذمر:لييه بقا ما نخليه شربااات.
رمقه الحج عبد السميع بنظره حادة و هو يأمره:قعمز يا وِلد.
انكمش وجهه يحيي و هو يسأله:قمبيز مين؟
رد عبدالسميع بنظرة حادة:قعمز قولت!!
رفع كتفيه و هو ينظر حوله تائهاً:اعمل ايه يعني؟
ردت الحجة صفية التي نظرت له بنفاذ صبر:متقفش كيف الكتكوت المرطوط اكديه.
أسرع بالجلوس و هو يتمتم:يا سلااام طب ما تقولي اقعد وخلاص..اوفر اوي عيلتك دي يا عمار.
زجره عمار في ذراعه ليصمت قبل أن تدخل سمر و هي تحمل أكواب الشاي.. نظرت لها سامية بتعجب شديد.. كيف اقتحموا بيتها هكذا فجأه! ..تحدث عبدالسميع:اسمعي يا سامية.. عيلة الوهدان اكيد خابره زين هم مين.. وعشان انا عاشرتهم و عاشرت الحج وهدان نفسه رحمة الله و اخوه عبدالقادر في انا خابر زين ان ابنهم هيبقي خير زوج لعايشة بنتك..اهي حتي تاخد واحد من رجلتنا ومن صلبنا مش عيل مشلط من بتوع القاهره.
مال يحيي ناحية عمار و هو يهمس له:ايه مشلط دي واخد شلاليط يعني ولا ايه؟
همس له عمار بتوعد:و يمين عظيم هصفخك كف.
أدار يحيي وجهه لسامية التي صمتت تفكر:ها يا حجة قولتي ايه؟
أشارت سامية ناحية يحيي وتحدثت بتعالي:مين دا؟
نظر عبدالسميع ليحيي نظرة حارقة و هو يقول:متبجاش رطاط بدل ما ادكك بالشومة دااي.
وضع يحيي يده علي فمه و صمت بأدب..أدار عبدالسميع وجهه لسامية التي قالت:انت كدا بتيجي عليا يا خال.
هدأت نبرة صوته و هو يقول:بالعكس.. والله لو عاشرتي الست الطيبة دي و ابنها هتعرفي ان كلمة خالك كانت صوح.. وبعدين الواد رايد بنتك و شاريها و البنية رايداه.. هتقفي انتي ف زورهم ليييه!
انفعلت سامية:عشان اللي عملوه من البداية ميرضيش ربنا.
انفعل عبدالسميع و اعتدل في جلسته و هو يتمتم:هتقولي اللي عملوه و اللي معملهوشي.. يابنت الحلال أفهمي.. الواد داخل البيت من بابه و جايلك لحد عندك هو وامه.
تحدث عمار و كأنه يترجي سامية:والله كل الي تعوزه هيجيلها شقة و شبكة و مهر و عربية وكل حاجة خير ربنا كتير و اذا كان عليا هشيلها جوا عنيا و مش رايد غيرها..قولتي ايه بقا يا حجة؟
صمتت سامية طويلاً و قد بدأت تشعر بالإحراج فكل من حولها يترجاها حتي بدأت يرتاح قلبها لهذا الشاب و من جهة اخري لن تسطيع رفض كلمة لخالها.. ابتسم عبدالسميع عندما لاحظ تعابير وجهها فهو يعرفها خير معرفة و أراح ظهره للخلف و هو يحتسي الشاي..بادرت الحجة صفية لتقطع هذا الصمت:نقرا الفاتحة؟
رفع يحيي يده:يبقي نقرا الفاتحة.
ضربه عمار في قدمه و هو يهمس له:هو انت حافظها يابن الهبلة.
بادرت سامية بتردد:بس.. بس انا مقدرش اخد قرار زي دا من غير ما ارجع لأعمامها و اشورهم.
انتفضت قلوبهم عندما ضرب عبدالسميع بعصاته علي الأرض بقوة و هو يقول بصوت قوي و قد تحول فجأة:واه! هو في كلمة بعد كلمتي!
ارتكبت سامية كثيراً و تلعثمت و هي تقول:مقصدشي يا خال.. انا بس..
قاطعها عبدالسميع بحدة:مبسش.. هنقرا الفاتحة دلوقت و نبقي نحدد الخطوبة لما تخبري اعمامها.
ازدادت ارتباكاً و حيرة قبل أن ينطق يحيي و الأبتسامة تعلو وجهه:علي خيرة الله استأذنكم انده للعروسة و اصحابها عشان نقرأ الفاتحة كلنا.
نهضت سامية و هي تقول بحدة:اقعد انت..يا عااايشة يا زينب.
خرجت الفتيات من الغرفة و السعادة تعلو وجههن و من بينهن عائشة التي ارتدت إحدي فساتينها البسيطة و وضعت حجابها بطريقة منسقة و ازدادت جمالاً بعدما وضعت لها فريدة مساحيق التجميل..رفع عمار بصره ليري أجمل نساء الأرض أمام عينيه.. جميلة و بسيطة و خجولة.. شعر عمار و كأن قلبه قد غادر جسده معها و ها قد عاد له.. عاد لينبض مجدداً لها..نظرت سامية بضيق عينها نحو عمار و لاحظت كام ينظر لابنتها بإنبهار و تلتمع عينيه و كأنه قد رأي قطعةً من الألماس..مرت من أمام الحجة صفية و أخذت تذكر الله:ماشاءالله ربنا يحميكي و يبارك فيكي.
ثم جلست بجوار عمار علي الأريكة..شمر يحيي عن ساعديه و هو يقول بحماس:يلا الفاتحة.
ظل رافعاً اليدين و هو يدعو لهما حتي انتهوا من قراءة الفاتحة.. نظر بضيق عينه لعمار الذي كان لا يصدق أن الأمر قد تم بنجاح و ها هي عادت له.. غمز يحيي له بإبتسامة لتتسع ابتسامة عمار و يكاد قلبه يرقص فرحاً..أصدرت سلمي "زغروطة" عالية رنت في المنزل بأكمله و بينما يتبادلون هم التهنئة و القبلات..خرج صوت يحيي من بينهم يقول:الشربااات بقا.
مالت فريدة علي يحيي و هي تهمس له:في واحدة هناك بتكراش عليك.
أشارت برأسها ناحية زينب فأدار وجهه لها فكانت تنظر له ثم أدارت وجهها بخجل و توردت وجنتيها.. أدار وجهه لفريدة التي كانت تضحك كثيراً:ايه دا حد اكراش عليا غيرك؟
ضحكت فريدة أكثر:ما هي فكرتني بنفسي أول ما عرفتك.
قهقه يحيي بقوة و هو يتذكر:دا كان يوم اسود.
أشار يحيي لزينب فسرعان ما ركضت له فأجلسها بجواره و أخذ يمازحها و يغازل ضفيرتيها و لون طلاء أظافرها..
بادرت سمر بالحديث بصوت مسموع:حيث كدا بقا عايشة هترجع معانا الجامعة مش كدا؟
رفعت سامية اصبعها وقالت بحدة:لااع.. هترجع الجامعة بس مش هترجع معاكم.
تبادلوا النظرات قبل أن تتسائل سلمي:و هتفرق ف ايه؟
ردت سامية بحزم:يعني هترجع الجامعة و ترجع المدينة انما مش هتعيش مع راجل ميحلهاش تحت سقف واحد.
تبادلوا النظرات بذهول و انصدمت عائشة فهي لن تعود للمدينة مهما حدث..ثواني مرت قبل أن يقول عبدالسميع اقتراحاً:طب ما تدعبسوا علي شقة تسكنوا فيها لوحدكم بعيد عن الشباب.
أسرعت عائشة بالرد:عين العقل يا خالو.
بادر عمار قائلاً:علي فكرة العمارة اللي احنا فيها مليانة شقق فاضية و ممكن تأجروا شقة منهم.
ردت سامية بإنفعال:و تعيشوا سوا في نفس العمارة! يبقي معملناش حاجة.
تحدثت صفية:ليه ما يبقوا معاهم و ياخدوا بحس بعض دول هيبقوا بنات لوحدهم و ف غربة يعني محتاجين ونس و حد يبقي ف ضهرهم و ياخد باله منهم..وبعدين انا واثقة في عايشة و ف ابني زين.
شعرت سامية بالغيظ و رفعت رأسها بكبرياء و هي ترد:منا كمان واثقة ف بنتي زين.
تفاجئت بسلمي التي قفزت و جلست بجوارها و هي تقول:يا طنط احنا موجودين هم مش لوحدهم يعني.. و بعدين دا كدا كويس هناخد بحس بعض.
تلاصقت بها سمر و هي تقول بترجي:ايوا طنط وافقي بقا دا مش فاضل غير شهر ع الامتحانات و يادوب نلحق نذاكر.
ترجتها عائشة هي الأخر:وافقي ياماما والنبي.
تنهدت سامية و يكاد عقلها ينفجر من كثرة الإلحاح:خلاااصصص موافقة.
أصدرت سلمي "غروطة" أخري عالية أفزعت سامية و جعلتها تضحك أخيراً بينما سمر قبلت وجنتي سامية و هي تشكرها و كذلك عائشة.. تمتم يحيي:دا حج عبد السميع الايفوني طلع جامد من الأخر.
قرصته من أذنه و هي تقول:قولنا الأفيوني.. لو سمعك هيقيم عليك الحد.
ضحك يحيي:دا انا قاعد مرعوب اصلا.. شوفتيه و هو بيقولي قعمز؟ مكنتش عارف اعمل ايه كنت هرقصله عقباوي.
قهقهت فريدة بقوة بينما يحيي حرك رأسه يميناً و يساراً بإستعجاب..
أنت تقرأ
أحمق في بيتي
Humorمجموعة من الفتيات و الشباب يجمعهم القدر ليعيشوا تحت سقف واحد رغماً عنهم.. يذهبون للجامعة معاً و يتناولون الطعام علي نفس المائدة كعائلة واحدة.. و لكن كيف سيتأقلمون علي هذا الوضع وسط تحديات تلك الحياة الجديدة مع أناس و بلدة جديدة!.. سيندمجون رغم اختل...