﴿ الفصل 12 ﴾

18.9K 1K 21
                                    

#مريم

ثلاث أيام و ينقضي شهر على إنتقالي لهذا المنزل . إنه مريح جدا ..
البيوت أيضا كالناس . هناك ما تحبه من اللحظة الأولى و هناك ما لا تحبه و لو عاشرته و سكنته سنوات .
ثمة بيوت تفتح لك قلبها و هي تفتح لك الباب ، و أخرى معتمة ، مغلقة على أسرارها ، ستبقى غريبا عنها ، و إن كنت صاحبها .

كذلك كان ذلك الحي الذي تريحني جدا سكينته و هدوءه .
لكن ما كان يزعجني أنني مظطرة أن أبقي نافذتي الأمامية دائما مغلقة ، لم أفتحها أبدا بعد أن أغلقتها في المرة الأولى . بابي الأمامي الذي يفتح على منزل زين أيضا بقي موصدا طوال فترة إقامتي .
كنت أتحاشى رؤيته دائما.و لحسن حظي لم أراه طوال شهر . فهو قد إنقطع عن الجامعة تماما ، و كذلك إنقطعت دراستي معه ، لم يكن يهمني حتى إن رسبت ، الأهم بالنسبة لي ألا أراه و ألا أكلمه .

إخترت الباب الخلفي لمنزلي كي أدخل و أخرج منه . لم يكن يقابله سوى دكان صغير أقتني منه حاجياتي و رغم صغره كنت أجد فيه كل ما أريد فلا أحتاج للتنقل إلي أي مكان آخر طلبا لشيء ما ، يكفي أن أطلب من السيد جايمس صاحب الدكان ما أريد فيبعث بإبنه مايكل سريعا ليجلب حاجياتي .
الحمد لله ، أصبحت حياتي أفضل و قلَّ الضغط و التوتر .
كنت أقضي أغلب أوقاتي في الحديقة الخلفية أسقي الزهور و أعتني بالأشجار أو أستند على شجرة أرتشف كأس قهوة و بيدي كتاب .
أخرج أحيانا مع نايل و صوفيا للتسوق أو التنزه ، لكنني لم أطلعهما بعد على عنواني .
مازالت تلك الحادثة تؤثر فيَّ بطريقة ما .

كنت جالسة على الأريكة أتصفح هاتفي فسمعت طرقا على بابي الأمامي .
لا أحد يزورني عادة ، أو بالأحرى لا أحد يعلم مكان سكني سوى هاري و زين . هل يعقل أن يكون أحدهما ؟

فتحت الباب ووجدت السيد هنري العجوز صاحب المنزل .
" مرحبا سيدي . " قلت مبتسمة
" عليك أن تدفعي الإيجار بعد يومين ، أتيت لأذكرك بذلك . " قال بإستعجال
" حسنا سيدي . إلى اللقاء "
قلت لكنه لم يجبني فقط أدار ظهره و رحل ليطرق باب مؤجر آخر .

" عجوز فظ " تمتمت و أنا أهم بإقفال الباب لكن منزل زين إستوقفني لبرهة  .
بقيت أنظر للمنزل لمدة صغيرة قبل أن أدخل و أغلق الباب .
كانت نافذته مفتوحة لكنني لم أره . أتمنى لو أنني لم أره أبدا .

٭٭٭

رجعت إلى مكاني على الأريكة لأتصل بأمي و أطلب منها المال .
كنت قد أخبرتها سابقا أنني أجرت منزلا وحدي .
لكنني لم أخبرها بما حصل ، فقط إكتفيت بقول

" غيروا شريكتي في السكن و لم أتوافق معها "

كذبت ! نعم أعلم ذلك ، لكنها كذبة بيضاء ، ستمنع بعض المشاكل من الوقوع ..
رن الهاتف طويلا حتى ردت أمي.

" السلام عليكم ، كيف حالك ماما ؟! "

" و عليكم السلام ، ما الذي حصل ؟ لماذا إتصلت ؟ " ردت ببرود

" إشتقت لكم .كيف أنتم ؟ أبي ، مرام و أنت ؟ "

" والدك مع زوجته محتفل بإبنه الذي ولد الأسبوع الفارط ، أختك تدرس لكن علاماتها لا تتحسن ، و أنا مازلت كما تعرفينني .. "

" أوه حقا ! أتمنى أن أعود بسرعة لأرى أخي الجديد . أما مرام فسأتكلم معها لا تقلقي ، أنت فقط كوني بخير .. "

" حسنا و لماذا إتصلت ؟ "

" أريد المال للإيجار . "

" سأرسله غدا عبر البريد . الساعة الرابعة مساء إنتظريني . "

ثم أضافت بعتاب ساخر

" حاولي أن تكملي دراستك سريعا و عودي فكلام الجيران بدأ يكثر بسببك . فتاة وحيدة في بلد أجنبي غريب ! "

" أمي أخبرتك أكثر من مرة أنني لا أهتم لكلام الناس . تعلمين أنني أدرس لأحظى بعمل جيد يستطيع تحسين الوضع المادي لنا . لا أريد أن تعيش مرام في نفس ظروفي . "

" كان يمكنك الدراسة هنا . لولا رجاء سامي لما تركتك تذهبين ."

" ممتنة له إذا . " رددت بسخرية

" إتصلي به دائما ، خطيبك شخص جيد و هو يزورنا دائما و يوفر لنا كل ما نحتاجه . "

" حسنا أشكريه بالنيابة عني ، إلى اللقاء ."

عندما وصل الحديث إلى هذا الحد ، قررت إنهاء الإتصال .
سئمت هذه الحياة فعلا . إشتقت لهم كثيرا لكنني أتمنى لو أنني لم أتصل ، أمي تقول نفس الكلام في كل مرة .
تضايقني كثيرا بكلماتها لكنني كنت أتحملها على مضض .
طلقها أبي و هي لا تزال شابة محتجا أنها لم تنجب له الولد الذي يريده . و تركها لتربي بنتين لوحدها فباتت تخاف أن يقال لها لم تحسني تربيتهما .
أميَّةٌ هاجسها الوحيد كلام الناس عنها و مظهرها أمامهم . لا ألومها أبدا حين تفكر أو تتصرف بتلك الطريقة . أعذرها كثيرا فحقا الناس في بلدي لا يتركون أحدا في حال سبيله . سئمت حياتهم و حياتي إلى جانبهم . حياتي هنا كانت ستكون مثالية لولا وجود ذلك الزين فيها ..

تثاقلت الهموم على كتفاي و لم أعد أعلم ما الذي يجب علي فعله .
كل ما أريده هو أن يعانقني أحدهم ببراءة ، أشكو له كل ما في قلبي و أبكي في حضنه .
لا يتكلم لا يسأل ، لا يعاتب ، فقط يستمع ..
جمعت شتات نفسي ، توضأت و قررت أن أشكو همي لربي .. وحده يعلم حالي و ما يجول داخل نفسي .. وحده سبحانه قادر على بث الطمأنينة داخلي و بعث السكينة في أوصالي ..

ملاك الرحمة | Angel Of Mercy ( Under Editing( حيث تعيش القصص. اكتشف الآن