#مريم
بعد عودتنا من السوق ، أعطاني زين أكياس الثياب ثم ذهب ليرتاح في غرفته .
عاد لبروده المعتاد ، لم ينطق بكلمة واحدة طوال الطريق غير " وصلنا " .
إنه حقا يزعجني بتصرفاته . كيف يسمح لنفسه بإختار ملابسي ؟ . حتى أبي لم يفعل ذلك يوما.
أكره الإعتراف أن له ذوقا جميلا في إختيار الملابس ، لكن هذا لا يسمح له بفرض ذوقه علي .
أنهيت ترتيب الملابس في الخزانة ثم إستلقيت على سريري أطلب بعض الراحة . تعبت كثيرا في التنقل وراءه من متجر لآخر لذا أغلقت جفوني مستسلمة للنوم .
_
غي الثامنة و النصف ليلا ، فتحت عيناي بكسل. شعرت بالجوع لذا خرجت إلى المطبخ .
رأيت زين جالسا في غرفة المعيشة يشاهد التلفاز بهدوء ، يحمل سجارة بين يديه و منفضة السجائر أمامه مليئة بجثث السجائر الميتة .
في العادة يكون خارجا في هذا الوقت. لماذا لم يخرج اليوم ؟ إستغربت الأمر لذا توجهت نحوه لأسأله عن السبب .
" زين !" ." زين ! "
" هاي زين ! "
ناديته مرارا لكنه لا يجيب .
هززته من كتفه بخفة لينتبه لي ." أوه مريم ! متى إستيقظتِ ؟ " سأل بهدوء .
" الآن .. ناديتك و لم تجبني ! هل أنت بخير ؟ "
" أجل أنا كذلك "
" حقا ! أعني من عادتك أن تكون بالخارج في وقت كهذا "
" أنا مرهق لا أريد الخروج "
" حسنا ، هل أنت جائع ؟ "
" قليلا "
" و أنا كذلك. سأعد العشاء إذا ، إنتظرني "
_
فتحت الثلاجة و لم أجد سوى بعض الخضروات و قطع لحم . أعددت حساء خضار مع لحم مشوي و بعض من البطاطا المقلية ثم أخذت الطعام و إتجهت إلى حيث هو لا يزال جالسا .
" الطعام جاهز " قلت و أنا أضع الطبق أمامه و أجلس بجانبه . بدأ كل منّا يأكل بصمت و لم يسمع سوى صوت التلفاز و دقات الملاعق على الصحون . أردت كسر ذلك الصمت المخيف لكنني لم أجد أي موضوع نتحدث بشأنه .
ثم فجأة قام زين بإغلاق التلفاز و سألني" مريم ! من أنا بالنسبة لك ؟ "
تفاجأت من سؤاله و لم أجد له أي جواب. أعني أنا لم أسأل نفسي سابقا من هو زين بالنسبة لي !
" ماذا تعني ؟ " أجبت محاولة إخفاء توتري .
" اليوم في السوق إتفقنا على أننا لسنا أصدقاء . إذا لم أكن صديقك فمن أكون إذا ؟ "
" عدوي ؟ " أجبت دون تفكير
" الشخص العاقل لا ينام بهدوء و طمأنينة في منزل عدوه مثلما تفعلين ! " أردف بقليل من السخرية
" إذا زملاء ! جيران ! .. لا أعلم زين "رفع رأسه لتلتقي عيناي بخاصته ثم قال
" علاقتنا لا إسم لها و هذا ما يميزها لذا فلنبقيها مميزة دائما "
أومأت برأسي دون أن أجيب ثم أنزلت عيناي لتبتعد عن خاصته .
لا أعلم ما الذي يصيبني حين تلتقي عينانا ، أصبح عاجزة تماما عن الحديث أو التفكير فقط دقات قلبي هي من تتحدث بسرعة .
ساد الصمت من جديد ليكسره هو مجددا
" عندما رأيت السعادة تشع من عينيك اليوم بعد سماعك للآذان تسألت عن السبب و ظننت في البداية أنها مثل سعادة من يسمع أغنيته المفضلة في كل مكان يذهب إليه .
لكنني لم أقتنع تماما بالإجابة و هذا ما جعلني أتبعك إلى ذلك المسجد بصمت لعلّي أفهم السبب "
أكمل" حين قبلت إقتراحك للصلاة هناك ، سيطر علي فضول لمعرفة سبب تلك الفرحة التي أدخلها مجرد سماع صوت الآذان في روحك . و حين صليتُ فهمت السبب ، أحسست أن الدنيا ضئيلة جدا و همومي لا معنى لها. نسيت كل شيء حولي و شعرت بأن قلبي إطمأن و إرتاح كثيرا و أنا الذي كنت أشرب كثيرا لعلّي أنسى القليل و لكنني لا أفعل . كل مرة كنت أشرب فيها كان يزداد ضيق صدري و لا ينفرج .
شكرا لك مريم لأنك أهديتني تلك اللحظات من الراحة و السكون . "تأثرت كثيرا بكلامه لدرجة أنني أحسست بالدموع تنساب على خداي .
" لا تشكرني أنا زين .. لم أفعل شيئا ، الله هو من يبعث السكينة في نفوس عباده "
" لكنك كنت السبب في وصولي إلى ذلك المكان .. كنتِ كملاك رحمة بعثه الرب ليطمئن قلبي "
" سعيدة لأجلك زين لكن أتعجب من مسلم لا يعرف شيئا عن الإسلام ! "
سكت للحظات كأنه تذكر شيئا يريد نسيانه ثم أجاب
" أبي مسلم أما أمي فمسيحية ، منذ أن أصبحت أعي ما يدور حولي لم أجد أبي إلى جانبي ، كان دائم السفر من مكان إلى آخر لينشأ إمبراطورية مالك ، لم يكن له وقت لي ، وقته كله مخصص للعمل و حسب .
أمي كانت تحاول البقاء إلى جانبي لكن سهراتها و أسفارها مع سيدات المجتمع الراقي كانوا يمنعونها من البقاء معي دائما، أكره سهرات النفاق تلك ، كل واحدة تذهب فقط لتُريَ الأخريات ما إشتراه لهن أزواجهن أو آبائهن و بيري الآن تتصرف بنفس تلك الطريقة. سهراتها أصبحت تمنعني من البقاء معها لوقت طويل و لولا أني أحبها لكنت هجرتها منذ زمن .
في صغري كنت دائما مع المربية البرتغالية التي أتوني بها ، و هي لا تتكلم الإنكليزية جيدا لذا كنت أتعامل معها بصعوبة لكن أمي حتى و إن ظلت معي لن تستطيع أن تحدثني عن الإسلام أو أن تعلمني شيئا عنه فهي الأخرى لا تعلم شيئا . ثم أصبحت أسمع من وسائل الإعلام أن المسلمين إرهابيين و متطرفين لذلك لم أرِد أن أتعمق في هذه الديانة حتى أنني أحيانا أصبحت أخجل من أن أقول ( أنا مسلم ) .. "أضاف
" لكن عندما رأيتك متمسكة بذلك الدين الذي جعلوني أفر منه و أخاف من أن أنتمي إليه ، كرهتك . لا تتعجبي ! أجل كرهتك لهذا السبب و حاولت أن أؤذيك لأنني إعتقدت أنك تتصرفين مثل أولئك المتطرفين و أن لباسك هذا فرض عليك كما كنت أراهم يفرضون الحجاب أو النقاب على النساء في البرامج الوثائقية التي يتحدثون فيها عن الإسلام ، أنا حقا آسف لأنني آذيتك ، فاليوم و بفضلك أنتِ رأيت عكس ما كنت أتوقع و أثبتي لي أن ما كنت أهرب منه هو خلاصي الوحيد .
أنت مميزة مريم ، فإبقي دائما مميزة ! "قال ما قال ثم وقف و خرج دون أن ينظر إلي أو يسمعني . لم أعتقد يوما أن ذلك الشخص بالذات سيروي لي قصته أو ما يشعر به يوما ما . لم أعلم أنه يخفي وراء شخصية ذلك الشاب الغني المتكبر البارد طفلا صغيرا بقلب مكسور .
أنت تقرأ
ملاك الرحمة | Angel Of Mercy ( Under Editing(
Spiritualكيف رحلت عني ؟ وكيف جرؤت أن اقصيك عني ؟ كيف لا أبالي أنك جزء مني و أني بعدك لا أكون غير بقايا إنسان أرهقه الجنـون ؟ كيف كنتُ عند الرحيل ولم أهتز وقت الوداع ؟ كيف تركتك ببساطة ترحلين و أنا أشهد رحيلك الحزين في صمت كالموت ولا أعبأ نهاية الرحيل و...