﴿ الفصل 16 ﴾

17.3K 1.1K 36
                                    

#مريم

بعد عودتنا من السوق ، أعطاني زين أكياس الثياب ثم ذهب ليرتاح في غرفته .
عاد لبروده المعتاد ، لم ينطق بكلمة واحدة طوال الطريق غير " وصلنا " .
إنه حقا يزعجني بتصرفاته . كيف يسمح لنفسه بإختار ملابسي ؟ . حتى أبي لم يفعل ذلك يوما.
أكره الإعتراف أن له ذوقا جميلا في إختيار الملابس ، لكن هذا لا يسمح له بفرض ذوقه علي .
أنهيت ترتيب الملابس في الخزانة ثم إستلقيت على سريري أطلب بعض الراحة . تعبت كثيرا في التنقل وراءه من متجر لآخر لذا أغلقت جفوني مستسلمة للنوم .
_
غي الثامنة و النصف ليلا ، فتحت عيناي بكسل. شعرت بالجوع لذا خرجت إلى المطبخ .
رأيت زين جالسا في غرفة المعيشة يشاهد التلفاز بهدوء ، يحمل سجارة بين يديه و منفضة السجائر أمامه مليئة بجثث السجائر الميتة .
في العادة يكون خارجا في هذا الوقت. لماذا لم يخرج اليوم ؟ إستغربت الأمر لذا توجهت نحوه لأسأله عن السبب .
" زين !" .

" زين ! "

" هاي زين ! "

ناديته مرارا لكنه لا يجيب .
هززته من كتفه بخفة لينتبه لي .

" أوه مريم ! متى إستيقظتِ ؟ " سأل بهدوء .

" الآن .. ناديتك و لم تجبني ! هل أنت بخير ؟ "

" أجل أنا كذلك "

" حقا ! أعني من عادتك أن تكون بالخارج في وقت كهذا "

" أنا مرهق لا أريد الخروج "

" حسنا ، هل أنت جائع ؟ "

" قليلا "

" و أنا كذلك. سأعد العشاء إذا ، إنتظرني "
_
فتحت الثلاجة و لم أجد سوى بعض الخضروات و قطع لحم . أعددت حساء خضار مع لحم مشوي و بعض من البطاطا المقلية ثم أخذت الطعام و إتجهت إلى حيث هو لا يزال جالسا .
" الطعام جاهز " قلت و أنا أضع الطبق أمامه و أجلس بجانبه . بدأ كل منّا يأكل بصمت و لم يسمع سوى صوت التلفاز و دقات الملاعق على الصحون . أردت كسر ذلك الصمت المخيف لكنني لم أجد أي موضوع نتحدث بشأنه .
ثم فجأة قام زين بإغلاق التلفاز و سألني 

" مريم ! من أنا بالنسبة لك ؟ "

تفاجأت من سؤاله و لم أجد له أي جواب. أعني أنا لم أسأل نفسي سابقا من هو زين بالنسبة لي !

" ماذا تعني ؟ " أجبت محاولة إخفاء توتري .

" اليوم في السوق إتفقنا على أننا لسنا أصدقاء . إذا لم أكن صديقك فمن أكون إذا ؟ "

" عدوي ؟ " أجبت دون تفكير

" الشخص العاقل لا ينام بهدوء و طمأنينة في منزل عدوه مثلما تفعلين ! " أردف بقليل من السخرية
" إذا  زملاء ! جيران ! .. لا أعلم زين "

رفع رأسه لتلتقي عيناي بخاصته ثم قال

" علاقتنا لا إسم لها و هذا ما يميزها لذا فلنبقيها مميزة دائما "

أومأت برأسي دون أن أجيب ثم أنزلت عيناي لتبتعد عن خاصته .

لا أعلم ما الذي يصيبني حين تلتقي عينانا ، أصبح عاجزة تماما عن الحديث أو التفكير فقط دقات قلبي هي من تتحدث بسرعة .

ساد الصمت من جديد ليكسره هو مجددا

" عندما رأيت السعادة تشع من عينيك اليوم بعد سماعك للآذان تسألت عن السبب و ظننت في البداية أنها مثل سعادة من يسمع أغنيته المفضلة في كل مكان يذهب إليه .
لكنني لم أقتنع تماما بالإجابة و هذا ما جعلني أتبعك إلى ذلك المسجد بصمت لعلّي أفهم السبب "
أكمل

" حين قبلت إقتراحك للصلاة هناك ، سيطر علي فضول لمعرفة سبب تلك الفرحة التي أدخلها مجرد سماع صوت الآذان في روحك . و حين صليتُ فهمت السبب ، أحسست أن الدنيا ضئيلة جدا و همومي لا معنى لها. نسيت كل شيء حولي و شعرت بأن قلبي إطمأن و إرتاح كثيرا و أنا الذي كنت أشرب كثيرا لعلّي أنسى القليل و لكنني لا أفعل . كل مرة كنت أشرب فيها كان يزداد ضيق صدري و لا ينفرج .
شكرا لك مريم لأنك أهديتني تلك اللحظات من الراحة و السكون . "

تأثرت كثيرا بكلامه لدرجة أنني أحسست بالدموع تنساب على خداي .

" لا تشكرني أنا زين .. لم أفعل شيئا ، الله هو من يبعث السكينة في نفوس عباده "

" لكنك كنت السبب في وصولي إلى ذلك المكان .. كنتِ كملاك رحمة بعثه الرب ليطمئن قلبي "

" سعيدة لأجلك زين لكن أتعجب من مسلم لا يعرف شيئا عن الإسلام ! "

سكت للحظات كأنه تذكر شيئا يريد نسيانه ثم أجاب

" أبي مسلم أما أمي فمسيحية ، منذ أن أصبحت أعي ما يدور حولي لم أجد أبي إلى جانبي ، كان دائم السفر من مكان إلى آخر لينشأ إمبراطورية مالك ، لم يكن له وقت لي ، وقته كله مخصص للعمل و حسب .
أمي كانت تحاول البقاء إلى جانبي لكن سهراتها و أسفارها مع سيدات المجتمع الراقي كانوا يمنعونها من البقاء معي دائما، أكره سهرات النفاق تلك ، كل واحدة تذهب فقط لتُريَ الأخريات ما إشتراه لهن أزواجهن أو آبائهن و بيري الآن تتصرف بنفس تلك الطريقة. سهراتها أصبحت تمنعني من البقاء معها لوقت طويل و لولا أني أحبها لكنت هجرتها منذ زمن .
في صغري كنت دائما مع المربية البرتغالية التي أتوني بها ، و هي لا تتكلم الإنكليزية جيدا لذا كنت أتعامل معها بصعوبة لكن أمي حتى و إن ظلت معي لن تستطيع أن تحدثني عن الإسلام أو أن تعلمني شيئا عنه فهي الأخرى لا تعلم شيئا . ثم أصبحت أسمع من وسائل الإعلام أن المسلمين إرهابيين و متطرفين لذلك لم أرِد أن أتعمق في هذه الديانة حتى أنني أحيانا أصبحت أخجل من أن أقول ( أنا مسلم ) .. "

أضاف

" لكن عندما رأيتك متمسكة بذلك الدين الذي جعلوني أفر منه و أخاف من أن أنتمي إليه ، كرهتك . لا تتعجبي ! أجل كرهتك لهذا السبب و حاولت أن أؤذيك لأنني إعتقدت أنك تتصرفين مثل أولئك المتطرفين و أن لباسك هذا فرض عليك كما كنت أراهم يفرضون الحجاب أو النقاب على النساء في البرامج الوثائقية التي يتحدثون فيها عن الإسلام ، أنا حقا آسف لأنني آذيتك ، فاليوم و بفضلك أنتِ رأيت عكس ما كنت أتوقع و أثبتي لي أن ما كنت أهرب منه هو خلاصي الوحيد .
أنت مميزة مريم ، فإبقي دائما مميزة ! "

قال ما قال ثم وقف و خرج دون أن ينظر إلي أو يسمعني . لم أعتقد يوما أن ذلك الشخص بالذات سيروي لي قصته أو ما يشعر به يوما ما . لم أعلم أنه يخفي وراء شخصية ذلك الشاب الغني المتكبر البارد طفلا صغيرا بقلب مكسور .

ملاك الرحمة | Angel Of Mercy ( Under Editing( حيث تعيش القصص. اكتشف الآن