"رواية غَـــوثِـهِـمْ"
"الفصل الثامن والأربعون_الجزء الثاني"
"يــا صـبـر أيـوب"
______________________واعلَم يا بُني أنّ الأَيَّام تُبسط
سَاعات والسَّاعاتُ تُبسط أنفاسًا،
وكُل نفسٍ خزانَة، فاحْذَر
أَنْ يذهَب نفسٌ بغَيرِ شَيءٍ،
فترىٰ فِي القيَّامةِ خزانة فَارغة فتَندم.
وانظُر كُل ساعةٍ مِنْ سَاعاتِك
بمَاذا تذهَبُ، فلَا تودعهَا إِلاَّ إلىٰ أشرفِ
مَا يُمكن، ولَاتهمِل نفْسَك،
وعَودها أشرفَ مَا يَكُون مِنَ العَملِ وأحْسَنه._"بنُ الجوزي"
__________________________________وكيف لي أن أنساه وهو لقاءٌ ناولني الحياة؟..
فلن أنسَ لقاءً انتشلني من وسط قسوة العالم وحفظني في مأوى بعيدًا عن التشرد والغُربةِ والضياع، لن أنس لقاءً كانت بدايته رحمة من وحشة الجِياع، أما عن روحي فهي كانت ظمأى ولم ترتوي إلا من عينيكِ، أتعلمين يوم أن أتحدث أمام العالم عنكِ سأقول أنكِ أنني وجدتُ ضالتي، فكنتُ دومًا أحدث خالقي وأطلب منه أن يجمعني بضالتي، ويوم أن اجتمعتُ بكِ وجدتُكِ أنتِ مبتغاي وكأنكِ كنتِ الضالة الوحيدة التي فَقدتُها، ولا أعلم لِما في بعض الأحيان أشعر وكأن اللغة تُعاني من الفقر عند الحديثُ عنكِ، فكلما حاولت أن أُصيغ كلماتٍ اختصر بها وصفك لم أجد، فألجأ من جديد لحديثي مع الخالق وأطلب منه أن يُديمك لي بقدر كل النعم، فمن جديد أحمد ربي على نعمة وجودكِ معي، وأن قلبي بات ينبض لكِ من بين أضلعي، ولأن الخالق رحيمٌ بنا ويُعطي ويكرم من يشكره، فأنا أود طوال عمري أن ابقى ساجدًا شكرًا للخالق على رحمةٍ منه كانت على هيئتكِ أنتِ،
فالحمدلله أنكِ أنتِ البداية ومعكِ ستكون النهاية،
الحمدلله ألف مرة على تواجدكِ معي في كل مُرة،
الحمدلله على أن المُر برحمة الخالق يَمُر،
والحمدلله أن في نهاية المسارات وجدتُكِ أنتِ لآخر العُمر.<"صديقٌ لم يُخذلني أمسىٰ خيرًا من حشدٍ يؤلمني">
أود أيامًا بريئة تُشبه تلك التي كنت أعيشها وأنا في التاسعة من عُمري، أيام تذمري صباحًا واحتجاجي لذهابي للمدرسةِ عابس الوجهِ، تلك الأيام التي كانت بدايتها صقيعٌ في الطُرقات ونهايتها شمسٌ حارقة وفي المنتصف يمر يومٌ مُرهقٌ اتنساه بعناق رفيقي وهو يحتويني بين ذراعيه ثم يهمس لي خفيةً أنني الرفيق المُفضل له بالعالم، فهذا الرفيق المُفضل الذي أعطاني نصرًا أمام العالم في صغري هو وحده الذي لم يُخذلني بعد..
_هتلاقيه زعلان دلوقتي علشان قومت.
هتفها "أيـوب" بمزاحٍ لكي يُشاكسه فيما ابتسم "يـوسف" بسخريةٍ وبدون أي حديثٍ أو تفسيرٍ اقترب من "أيـوب" وباغته حينما عانقه أمام الجميع وكأنه يؤكد لنفسه أنه لازال حيًا، عناقه أتى فجأةً وغير متوقعٍ منه بينما هو أراد أن يُبرهن لنفسه أن مخاوفه تبددت بأكملها بعودة "أيـوب"، عانقه وحاول أن يتمسك به كما الطفل الصغير، عانقه وكأنه هذا هو العناق الأخير.
أنت تقرأ
رواية غوثهم يا صبر ايوب الجزءالثاني
Randomالجزء الثاني من رواية غوثهم يا صبر ايوب للكاتبة المصرية شمس محمد بكري