"روايـة غَـــوثِـهِـمْ"
"الفصل الثالث وسبعون_الجزء الثاني"
"يــا صـبـر أيـوب"
______________________ربي وإن كنتُ أنا عاصيك
فأنتَ العفو الرحيم..وإن كنتُ أنا الضعيف
فأنتَ يا مولاي العظيم..ربي إني والناس نُعصيك
جهرًا وأنتَ تسترنا يا كريم..فجئت اليوم إلى بابك ولا أعرف
ما يعتريني..
لكني أتيت أرجوك الرحمة من الذنب العظيم_"غَــوثْ"
__________________________________لو لم تكن جناحًا لي فمُر دون أن تكسر جناحًا لي..
فإني هُنا وسط العالم والغُربة تعتريني، والكُربة هي من تُرافق أيامي، أنا هنا عالقٌ بين ماضيِّ وحاضري وبين كل ما يُطفيء نور أيامي، طيرٌ أنا ودَّ من العالم جناحيْن..
لكن العالم كسر جناحي ويوم أن توقفت عن الطير؛ لم يفعل العالم سوى إيلامي، شريدٌ أنا ولا موطن ليِّ وسائر البلاد تُنفيني، لكني وبرغم كل ذلك أملك رفاهية النظر في عينيكِ، وعيناك موطن لا يُنفيني…
فرُبما أنا من أختلقت أُلفةً بيني وبين العالم،
لكن عندكِ أنتِ كانت الأُلفة منكِ هي ما تُحييني،
فعجبًا للعالم حينما يُغرب المرء وأعود وأجد عينيك بين الأهداب تأويني، منذ مدةٍ وأنا لم أكن بأنا ولم أجدني في نفسي إلا حينما ساقتني الطُرقات إليكِ أنتِ هُنا، وأنا هُنا غريبٌ عن الديار، والجيد في الأمر أنكِ معي بالجوار
فقفي أمام العالم في صفي، إني بدونك لم أجد من يُنصفني،
وإن كنتِ لا تعلمين فالعالم قبلك أصر أن يُجحفني، ولم أجد مأوى غيرك بين حوائطه يُلحِفني..<"أنا معك وإن لم يكن في العالم غيري معك">
قد يفقد الطير قدرته على الطيران…
لكنه لن ينسى كل الطيور التي حاولت لأجله كي يعود لطيرهِ من جديد، لن ينسى هؤلاء الذين دعموا أجنحته كي يعود ويُحلق في الآفاق عاليًا، لن ينسى هؤلاء الطيبين الذين وقفوا في ظهره حينما خشى أن تُهاجمه عصابة الصقور الجارحة، لن ينسى الطير أنه حينما فقد أحد جناحيه؛ وجد من هم كانوا جناحًا له…عاد بخيبة أملٍ وكتفين متهدلين حيث الصيدلية وياليته يجد بها دواءً كما يبيع هو لكل مريضٍ يسأل عن الدواء، أيعجز طبيبٌ عن مداواة جرحه وهو الذي يداوي جراح السائلين؟ أتى ابن عمها حينذاك ووقف خلفه يهتف بوقاحةٍ:
_أظن كدا تخلي عندك دم بقى وتمشي، لو راجل من ضهر راجل بجد تمشي وتسيب الحارة، متبقاش زي العيل الصغير كدا شبطان في حاجة مش ليك وعاوزها وخلاص.
رمى الكلام ولم يُبالِ وقبل أن يلتفت "مُـحي" ويرد عليه وجد النصف الآخر منه شكلًا ومضمونًا يقف أمامه وفي مواجهة الآخر ثم قال بجمودٍ قاسٍ لأول مرةٍ بحياته:
_أنا بقى هوريك تربية الراجل دا عاملة إزاي.
أنهى جملته ثم ضرب الشاب في بطنه بقدمه حتى أسقطه أرضًا ثم أقترب منه يُكمل ما بدأه وكل مافي داخله فقط أن يثأر وينتقم لأجل ذويه، وكأن هذا هو طبع الخيول، مهما ضعفت قوتها، لا يثور منها إلا الأصيل، وهو أصيل بما يكفي كي يُدافع وتثور ثورته لأجل شقيقه الأصغر الذي حتى الآن لا يفهم لما يُعامل هكذا؟ لما تحالف العالم ضده كأنه الغريم الوحيد له؟.
أنت تقرأ
رواية غوثهم يا صبر ايوب الجزءالثاني
Randomالجزء الثاني من رواية غوثهم يا صبر ايوب للكاتبة المصرية شمس محمد بكري