"رواية غَـــوثِـهِـمْ"
"الفصل الستون_الجزء الثاني"
"يــا صـبـر أيـوب"
______________________"هل مِنْ سائل؟"
وكيف كفَّت الأكُفُّ عنكَ وسيلُ الجُودِ سَائِل؟
وكيف سَها عن خطابِكَ مَنْ لم تقطعْهُ الرسائِل؟وكيف بِيعَ ما يَبقى بما يَفنى وإنما هي أيامٌ قلائل؟
يا رُوحَ القلوبِ: أين طُلَّابُكَ؟ يا نورَ السماواتِ والأرضِأين أحبَابُكَ؟ يا رَبَّ الأربابِ أين عُبَّادُكَ؟
يا مُسبِّبَ الأسبابِ أين قُصَّادُك؟_"ابن الجوزي"
__________________________________بالأمس كنا غريبين، واليوم أكثر من مُقربين..
نبدو وكأن القلوب آلفت بعضها وكأن الروح أُضيئت بقربها..
سكنت الأُلفة قلوبنا، ووجدنا الطريق من بعد تيهنا، ورأينا العالم ببصرٍ كنا فقدناه والآن قد عاد؛ رُبما تُغربنا الطُرقات، ورُبما تزداد بيننا المسافات لكن القلوب وما بها كما هي لن يؤثر بها بعدٌ ولاتنس وعد الكلمات، فإني أراكِ بعين قلبي نورًا، وأعلم أن كل الحُب بغير حُبك لم يكن لي مكتوبًا، فما الحُب إلا أنتِ وفقط وما غير ذلك لم يكن مرغوبًا، اليوم دعيني أعتذرُ منكِ لكوني أتيت متأخرًا لكِ حتى جمعتني الطُرقات بكِ.. لكني عل كلٍ أتيت ونحو سُبلكِ استهديت، أتيت لكي أمسح عن عينيكِ دمعها، وأكون جيشًا لكِ وسط المدينةِ الظالم أهلها، دعيني أكون سببًا لضوء قلبكِ، وأكون هُدى للسير في دربكِ، لا تنظري لي بعينك، بل أتركِ هذا الفعل لقلبك، فكما قال "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه وأرضاه
"أنها القلوب يا علي إذا صفت رأت" فدعي قلبكِ يصفو ويراني، وستعلمين أن البصيرة ترى وإن كانت العين لا تلمح..<"وأين المفر من ذكرىٰ سكنت عقلًا ضعيفًا">
ما بين الذكرى والذكرى الإنسان لم يجد مفرًا منهما، فهذه ذكرى تميد بالقلب، وتلك ذكرى تُدمر العقل؛ والمرء بينهما كمن وضع بين المطرقةٍ والسندان، فكل الذين تركوا لنا الذكريات رحلوا وبقيت أثارهم عالقةً فينا حتى يصعب علينا المفر منَّا، فأين المفر مني والذكرى بداخلي تؤرقني؟.
في لمح البصر وبأقل من طرفة عينٍ حد التقدير حدث كل شيءٍ، علا صوت صرخاتها إثر كابوسها المروع، تكالبت عليها وحوش الماضي في هيئة ذكرىٰ لم تنسَ، عقلها الواعي تراجع عن العمل وتقهقر أمام سلطة العقل الباطن؛ فأذعن له وسمح بتوليه الدور الأعظم في قيادتها وبرمجة فعلها ومن قبله رد فعلها، كل شيءٍ صار بغير وعيٍ، والكارثة الكُبرى في الوعي ذاته..
نزفت الدماء من ذراع "يـوسف" بعدما قامت هي بشق جلده بجرحٍ غائرٍ أتى بُغتةً حينما حاول أن يقترب منها وقد وقف مشدوهًا في كابوسٍ رأه مُضاهيًا لكابوسها المروع، الفارق بينهما أنه يعي لما حوله بينما هي أسفل قدمه تتوسله أن يفك عنها حصارها من الذكرىٰ قبل الحاضر، كلاهما يتألم وكلاهما يتوجع لكن القلوب تنادي لأهلها وعند النطق تتلعثم، نزل بجسده يجلس على ركبتيه أمامها ثم ضم وجهها بكلا كفيه ونطق بصوتٍ أقل ما يتم الوصف به أن المتحدث كان مكسورًا في روحه ومتصدعًا في قلبه:
أنت تقرأ
رواية غوثهم يا صبر ايوب الجزءالثاني
Randomالجزء الثاني من رواية غوثهم يا صبر ايوب للكاتبة المصرية شمس محمد بكري