١٢- الشجاعة.

286 20 0
                                        

دخلت هناء إلى شقتها برفقة ولديها، وسرعان ما بحثت عن عمتها، فوجدتها جالسة في غرفة المعيشة وابتسامة انتصار ترتسم على وجهها.

هناء - بحدة: "هل يمكن أن تخبريني لماذا تعاملتِ معها بهذه الطريقة؟"

بدرية، ببرود: "هل فعلتُ شيئاً خاطئاً؟ نحن فقط لا نعرفها، لذا عليها أن تعرف حدودها."

هناء - بغضب: "ماذا تريدين منها؟ أنا التزمتُ الصمت رغماً عني ولم أتدخل بينكما كي لا تقولي إنني أشجعها عليكِ!"

بدرية: "وماذا في ذلك؟ فعلتُ هذا لمصلحتكم، ولهذا لن تتحدثوا مع تلك المرأة مرة أخرى!"

أسلوب بدرية القاسي أعاد هناء إلى ذكريات مؤلمة، تذكرت كيف كانت ظلم بدرية وكراهيتها تطاردها. في طفولتها... في دراستها... في بعثتها إلى ألمانيا... في عملها... وحتى في حبها لعاصم وزواجها منه... وعندما مرض عاصم، استغلت بدرية مرضه أسوأ استغلال. أجبرتها على بيع ميراثها من أرض أبيها بثمن بخس، وأجبرتها على الموافقة حتى تتمكن من علاج زوجها قبل أن يموت ويترك ولديها يتيمين. نعم، وحتى ولداها بدآ يكرهان المنزل كلما كانت بدرية فيه بسبب مشاكلها.

هذه الذكريات الحزينة منحت هناء القوة لتواجه عمتها وتوقفها عند حدودها.

هناء، بحزم: "عمتي، لو سمحتِ، ابتعدي عن تهاني. لا تظني أنها وحيدة فتتمكنين من تخويفها كلما رأيتها!"

تدخل أحمد بجرأة: "أنتِ تستغلين أن لا أحد يقف بجانبها ليحميها!"

إيمي - بصوت منخفض: "نعم، كلام أحمد صحيح!"

بدرية - بصوت عالٍ: "احترم نفسك يا ولد! أنت دائماً تعارضيني، هل تظن أنني لن أقدر على كسر عنادك؟"

أحمد - بدهشة: "أنا لا أحب العناد، لكن أنتِ تفرضين علينا أوامركِ حتى لو كانت خاطئة!"

اقتربت بدرية من أحمد لتهدده، والغضب يملأ وجهها، والحسد يعمي عينيها، والحقد يسكن قلبها.

بدرية: "تذكر هذا: أنني أستطيع تحطيمك في ثوانٍ، لكنني صابرة عليكِ من أجل والدتك. ولكن حذارِ أن تقترب منها، وتعرف من أعني، وإلا سترى ما أنا قادرة عليه، وسأتصل بخالك محمود ليؤدبك!"

خافت هناء عندما سمعت ذكر اسم شقيقها، خشية أن تثير الفتنة بينهما وتتسبب في مشاكل، ففكرت في قول شيء يلين بدرية. لكنها شعرت بالخوف من تهديدها.

هناء - بضعف: "عمتي، لقد أخفتِها بكلامك وأمرتيها ألا تخرج من شقتها. لذا أخبريني، ماذا تفعل المسكينة؟"

بدرية - بسخرية: "أوووه كم أنتِ لطيفة، لقد كسرتِ قلبي! هاهاها!"

هناء - برجاء: "ارحميها، أمها مريضة وهي في مكان غريب لوحدها. فكري بنفسك، لو كنتِ مكانها ولم تجدي من يساعدكِ، ماذا كنتِ ستفعلين؟"

بدرية - بعنف: "لتنفجر وتَمُت! هل طلب منها أحد أن تُلقي بنفسها علينا؟!"

هناء: "يعني لا توافقين أن تأتي لتأكل معنا، ولا أن نشتري لها شيئاً، فما هو الحل؟! هل يرضيكِ هذا الوضع؟"

بدرية - مقاطعة: "أنتِ ما زلتِ تناقشينني بعد أن قلتُ كلمتي؟!"

فهمت هناء أن بدرية قد أدركت أن احترامها كان بسبب الخوف منها، وأن النقاش معها دليل على ضعفها. فقررت أن تتحدث بقوة، لأنه لا جدوى من الحوار.

هناء - بجرأة: "عمتي، لن أترك تهاني. لقد أعطيتُ كلمة لأخيها ووالدتها أنني سأعتني بها وسأحافظ عليها بأمان بأم عيني."

بدرية - مستنكرة: "هل جننتِ؟!"

هناء - ببرود: "تهاني أمانة عندي، وابني أحمد سيذهب كل يوم للاطمئنان على طلباتها، وهذا واجب علينا. لن أتركها تموت جوعاً وأنا بجانبها."

اشتعلت نار الغضب في صدر بدرية عندما سمعت كلام هناء، وبدأت ترى الشياطين أمام وجهها. كيف تجرأت هناء بعد كل هذه السنوات أن تتحداها أمام ولديها؟ ففكرت في استخدام طريقة أخرى. إن لم تنجح معها القسوة، فربما اللين والفتنة قد يجديان نفعاً.

بدرية - بهدوء: "أنا لستُ ضدكم، أنا فقط قلقة على عائلتكِ."

هناء - بفارغ الصبر: "وما الذي قد يحدث لعائلتي؟ عمتي، أنا قلت كلمتي وانتهى الأمر!"

بدرية - مستفزة: "ألا تخافين على ابنكِ من أن تعبث بعقله؟!"

ضحك أحمد بشدة من كلامها، ولم تصدق هناء ما تسمعه.

هناء - بذهول: "ألا ترين فارق العمر الذي بينهما؟!"

فتحت بدرية شفتيها لترد، لكن فاطمة دخلت فجأة وقطعت حديثهما.

فاطمة - بحزم: "سمعت كل ما دار بينكما، وكلمتي هي الكلمة التي ستُنفَّذ في هذا البيت. أحمد، من اليوم أنت المسؤول عن تلبية طلبات تهاني، ولا أحد يمنعك!"

أحمد - بسعادة: "أوامرك على رأسي يا ست الكل!"

ركضت إيمي نحو جدتها وعانقتها بسعادة، وهي تقبلها من شدة فرحتها بقرارها.

إيمي - بفرحة: "أحبكِ يا جدتي، أنتِ أحن قلب في العالم!"

جلست بدرية على الأريكة، تراقبهم بصمت وغيظ شديد.

بدرية - (لنفسها): "... محمود وحده الذي يأخذ كلامي على محمل الجد، سأجعله يتولى أمرها عندما يحين الوقت المناسب. وبعدها سأقلب الطاولة على الجميع... وسترون ما سأفعله أيها الأغبياء!"

ـــــــــ


 عشقت جميلتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن