٣٥-سأطمعك بقلبي.

206 18 0
                                        

التفت محمود إلى تهاني ورآها تنظر إلى الطعام دون أن تأكل، فأشار بصمت إلى هناء.
"لماذا لا تأكل؟!"

أشارت له هناء: 
"دعها على راحتها، ربما تشعر بالخجل."

نظر محمود إلى تهاني لبضع ثوانٍ سريعة، وقال لنفسه: 
"كلي يا قلبي. إذا لم تأكلي، سيؤلمني قلبي.. أتعلمين، لو كنا نتناول العشاء وحدنا لكنت أطعمتك بيدي، ولو رغماً عنك!"

حاول محمود إطعام تهاني بطريقة غير مباشرة:
"لو سمحت، يا أحمد، هل يمكنك أن تمرر لي ذلك الطبق؟"

أحضر له أحمد الطبق. وبعد دقيقة:
"لو سمحتِ يا هناء، هل يمكنك أن تعطيني الطبق الذي أمامك؟"

أعطته هناء الطبق الذي أمامها. وبعد دقيقة أخرى:
"لو سمحتِ يا إيمي، هل يمكنك أن توصلي لي ذلك الطبق هناك؟"

أعطته إيمي الطبق. لاحظ أحمد تصرفات خاله، وانفجر قائلاً:
"وماذا عنا؟ ألن نأكل؟!"

رد محمود بلهجة تهديدية: 
"كل، الطعام أمامك، ماذا تريد؟!"

قال أحمد بخوف: 
"كنت أقصد أن جدتي لن تتمكن من الأكل والأطباق بعيدة عنها!"

رد محمود بسخرية: 
"أمي تأكل من طبقها الخاص بسبب صحتها، وأنت ماذا؟ هل لديك مشكلة في الضغط؟ إذن تناول الطعام معها!"

عندما رأت تهاني أن محمود مشغول بأحمد، شعرت بالراحة وبدأت تهتم بالأشياء من حولها. شمت رائحة عطر محمود، وسيطر عليها شعور قديم وراحة غريبة. امتد الخوف والارتجاف منها، فمدت يدها وبدأت تأكل معهم.

ـــــــــ

بعد أن انتهوا من العشاء، قامت هناء وبدأت بجمع الأطباق الفارغة.
"اذهبوا إلى الصالون، سأذهب إلى المطبخ لأغسل الأطباق وأعد لكم الشاي!"

قامت تهاني وساعدت هناء في جمع الأطباق. وبنظرة سريعة، التفتت نحو محمود، فرأت عينيه تركزان عليها. شعرت بالحرج عندما رأت عينيه خضراوين، فارتجفت الأطباق في يديها وأخفضت عينيها بسرعة.

تهاني لنفسها: 
"لماذا عيناه خضراوان الآن؟!"

سارت تهاني بسرعة تكاد تركض، بينما عيون محمود تلاحقها. شعر قلبه بالفرح بسبب اهتزاز الأطباق بين يديها، لأنه فهم أنها تخجل منه، وأنها أكلت بجواره وحملت طبقه.

نهضت فاطمة من مكانها.
"الحمد لله، شكراً له. إيمي، أعطني يدك وساعديني للوصول إلى سريري!"

ردت إيمي: 
"حاضر، يا جدتي!"

أمسكت إيمي بيد جدتها لتسندها.
"تصبحان على خير!"

قال أحمد: 
"وأنت بخير، يا جدتي!"

رد محمود مبتسماً: 
"وأنت بألف خير وصحة، يا أمي العزيزة!"

ابتسمت فاطمة عندما رأت ابنها سعيداً وعيونه خضراوين، ودعت له أن يكون سعيداً دائماً. ثم ذهبت مع إيمي إلى غرفتها.

نهض أحمد واتجه نحو الصالون، وتبعه محمود، الذي كانت معنوياته مرتفعة. أراد أن يمزح مع أحمد، فأمسك برقبته وقال مازحاً: 
"هل شبعت، أيها المفجوع؟!"

رد أحمد مبتسماً: 
"نعم، يا خالي، والله شبعت!"

قال محمود: 
"أنت نسيت آداب المائدة. عندما يكون لدينا ضيوف، يجب أن ندعهم يأكلون أولاً، ثم نأكل كما نشاء!"

قال أحمد: 
"أعلم، ولكن تهاني لم تعد ضيفة، فلماذا تمنعنا من الأكل؟!"

عاتبه محمود قائلاً: 
"أحمد، ألم ترَ أن تهاني كانت خجولة في البداية ولم تمد يدها إلا بعدما قربت الطعام نحوها؟"

رد أحمد: 
"نعم، هذا صحيح!"

دخل أحمد إلى الصالون، بينما وقف محمود بجوار الباب وألقى نظرة شاملة على ترتيب الأثاث.
"هيا ساعدني في إعادة ترتيب الكنبات!"

قال أحمد باستغراب: 
"كل شيء في مكانه، ماذا تريد أن تفعل؟!"

قال محمود: 
"همممم، لنقربها من بعض."

اندهش أحمد، وقال بصوت منخفض: 
"سبحان الله! شخص يبعدهم عن بعضهم، وآخر يقربهم!"

سأل محمود بحدة: 
"هل قلت شيئاً؟!"

رد أحمد بارتباك: 
"لا، لا شيء، كنت فقط أسأل كيف نقربهم؟!"

قال محمود: 
"لقد انتهيت. اسمع يا أحمد، ستجلس على الأريكة هناك."

قال أحمد بدهشة: 
"لماذا؟!"

قال محمود بسرعة: 
"لأن تهاني عندما تراها، بالتأكيد ستجلس عليها لأنها تشعر بالخجل مني!"

قال أحمد لنفسه: 
"تهاني لا تشعر بالخجل منك، إنها تخاف منك!"

قال أحمد: 
"حسناً، أمري لله!" ثم تابع بصوت منخفض: 
"نعم، العبا بنا كما تشائان، تروننا كقطع الشطرنج!"

جلس محمود على الأريكة، فتح زراً من قميصه، ووضع ساقاً فوق الأخرى، ومد ذراعيه على طول ظهر الأريكة ليبدو جذاباً عندما تأتي تهاني لتشرب الشاي معهم، وتخيل أنها سترى في مخليتها أنها ترمي نفسها بين ذراعيه.

وظل ينتظر دخول هناء وتهاني بفارغ الصبر.

ـــــــــ

 عشقت جميلتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن