دخل محمود السيارة فرأى تهاني تبكي، فظن أنها تبكي بسببه. ما زالت حزينة بسبب كلامه القاسي في شقة هناء. شعر بالندم يعصف به، لم يكن يتوقع أن تصمد كلمات غضبه تلك طويلاً في قلبها. كانت تهاني تحاول مسح دموعها خفية، لكن ارتجاف يديها كشف عن حزنها العميق.
محمود - بصوت ملؤه الأسف والندم: "أرجوكِ، لا تبكي. أنا نادم على كل كلمة قلتها في شقة أختي. والله قلتها لأنني كنت واثقاً من شرفك، لكن تصرفت بغباء. أردت بأي وسيلة أن أضغط عليكِ لتوافقي على الزواج مني. هل ما زلتِ غاضبة مني؟"
ازداد بكاء تهاني، ليس فقط بسبب كلامه، بل لأنها شعرت بمدى عذابه الداخلي. محمود ما زال يخاف على مشاعرها، رغم ما حدث بينهما. ومنذ اليوم الأول، نسيت تهاني ما قاله عندما شرحت لها هناء قصده. كان في قلبها ألم خفي، لكنه لم يكن موجهاً إليه، بل نحو نفسها، لعدم قدرتها على التعبير عن مشاعرها بوضوح.
تأثر محمود بدموعها وقرر أن يوضح لها مشاعره أكثر. أخذ نفساً عميقاً، وكأنما يستجمع شجاعته:
محمود - بصوت مفعم بالعاطفة: "لا أعرف لماذا الظروف دائماً تعاكسنا منذ أن التقينا. لم أتمكن يوماً من توضيح مشاعري لكِ. أصبحتِ جزءاً مني دون أن أشعر، وكأنني كنت أعيش كل هذه السنين فقط لأجدكِ. تهاني، أحببتكِ منذ اللحظة التي فتحتِ فيها الباب لأول مرة. شعرتُ حينها أن قدري هو أن أكون معكِ."
كانت تهاني تستمع إليه، تشعر أن قلبها ينبض بشدة. الكلمات التي طالما تمنت أن تسمعها تنساب منه بصدق. شعرت للحظة أنها تطفو على موجة من المشاعر.
محمود - واثقاً: "أعدكِ، من لحظة أن يرتبط اسمي باسمك، ستبدأ حياتنا معًا. ولن تعرفي بعد الآن شيئًا اسمه الحزن. لكن.. هل توافقين أن نتزوج؟"
أغمضت تهاني عينيها وسقطت دموعها بغزارة. كانت بحاجة إلى وعدٍ بالأمان، وعد بأن تكون حياتها معه خالية من الألم والمعاناة.
محمود - بصوت حنون: "لن أترككِ تحتاجين أحدًا، سواء كنت حيًا أو ميتًا. أضمن لكِ حياة كريمة، وسأبذل حياتي إن لزم الأمر، فقط لأراكِ سعيدة."
مد محمود يده ليمسك بيدها، يريد أن يؤكد لها حبه بكل حواسه. لكنها سحبت يدها بسرعة. لم يكن خوفاً منه، بل خجلًا من نفسها. شعرت أنها لا تستحق هذا الحب، بعد كل ما مرت به. لكن محمود لم يفهم ذلك، فظن أنها لا تزال مترددة أو خائفة منه.
صمت محمود، شعر أن محاولته الأخيرة قد فشلت، وأنها لن تقبل به أبداً. لفَّ بينهما صمتٌ ثقيل، وكأن الوقت قد توقف للحظات.
تهاني - بصوت خافت لكنها حاسمة: "محمود..."
نظر إليها محمود، محاولاً أن يخفف من توتره بالابتسام. فكّر في أن يمزح معها، ليتجنب الشعور بالحرج.
محمود - مبتسمًا بسخرية لطيفة: "ماذا؟ هل هي دعوة؟"
تهاني - بصوت ملؤه الصدق: "أحبك."
تجمد محمود في مكانه، غير متأكد إن كان قد سمعها بشكل صحيح.
محمود - مذهولًا: "ماذا؟!"
تهاني - من أعماق قلبها: "حقًا... أحبك."
تأمل محمود وجهها، يحاول أن يتأكد من أنها تعني ما تقول. كانت عيناها مليئتين بالصدق، وأخذ وقتًا ليستوعب اعترافها.
محمود - بصوت عميق: "منذ متى؟"
تهاني - مبتسمة بتردد: "من قبل أن تراني."
محمود - بتعجب: "كيف ذلك؟"
تهاني - متذكرة بوضوح: "في أول يوم دخلت فيه شقة أختك، رأيت صورتك معلقة على جدار الصالون. منذ تلك اللحظة أحببتك. ولكن، عندما جئت مع عمتك وقلت لي تلك الكلمات القاسية، شعرت بالصدمة وظننت أن طباعك مثل طباعها."
شعر محمود بالدهشة من كلامها. لم يتوقع أن حبها بدأ قبل أن يلتقيا فعليًا.
محمود - بسرعة، مستغلًا اعترافها: "إذن... هل تتزوجينني؟"
ضحكت تهاني بهدوء، محاولة أن تخفف من حدة الموقف بتغيير المزاح.
تهاني - مبتسمة: "صوري؟"
تساءل محمود عما تعنيه، وتردد للحظة قبل أن يفسر كلامها.
محمود - ضاحكًا: "تقصدين أننا سنلتقط صوراً معًا؟ بالتأكيد!"
تهاني - ضاحكة: "لا، أقصد زواجًا صوريًا كما يقولون في الأفلام!"
فهم محمود قصدها، وقرر أن يمزح معها بدوره.
محمود - مبتسمًا بمكر: "تقصدين أننا سنتفرج على الأفلام ونقلدهم؟ رغم أنني أفضل أن تأتي المشاعر بشكل طبيعي، لكنني موافق إذا كنت تحبين التجديد!"
ضحكت تهاني على مزاحه، وأدركت أنها لن تستطيع التفوق عليه في الذكاء. كانت تلك اللحظة مليئة بالسعادة والارتياح. شعر محمود بفرح عارم عندما رأى ابتسامتها المشرقة.
محمود - بصوت ناعم: "تعرفين؟ ابتسامتك هي أجمل شيء رأيته في حياتي."
احمر وجه تهاني من الخجل، واستدارت نحو النافذة محاولة إخفاء حرجها. ابتسم محمود بدوره، ثم أدار محرك السيارة. كان يمسك يدها طوال الطريق، وأصابعه متشابكة بأصابعها، كأنه يخشى أن تفلت منه في أي لحظة. قرر في تلك اللحظة أنه لن يتركها أبدًا.
فهم حينها أن هناء بالتأكيد قد شرحت كل شيء لتهاني، وأزالت شكوكها تجاهه.
ـــــــــ
![](https://img.wattpad.com/cover/256675307-288-k949586.jpg)
أنت تقرأ
عشقت جميلتي
Romanceعلى ارتفاع آلاف الأقدام في السماء، وبين هدير المحركات وهمسات الركاب ربطت تهاني حزام الأمان بتوتر. شعرت بأن الطائرة لا تحملها فقط إلى وجهة بعيدة، بل إلى رحلة في عمق ذكرياتها، حيث الألم والخيانة والتضحية تختلط في نسيج حياتها. عاشت سنوات من العزلة بعد...