٤-غدر.

469 26 2
                                        

دخلت تهاني قاعة المحاضرات، وألقت التحية على زميلاتها بلطف أذاب قلب رابي عندما رأى رقتها. كانت سعيدة، خاصة لأنها لاحظت عينيه تتابعان كل حركة تقوم بها. جلست في مكانها، وما إن بدأ الدكتور محاضرته في "علم الأدوية"، حتى تشتت ذهنها وانشغلت في مهمة مراقبة أختها إيمان، متسائلةً عن النتيجة التي ستخرج بها. وبين الحين والآخر، كانت تنظر إلى ساعتها بلهفة، تتابع مرور الدقائق والثواني. عقلها كان منشغلاً بتساؤلاتها حول ما يحدث، بينما قلبها يملأه الأمل بحب رابي. وكانت واثقة أنها ستسمع أخباراً مفرحة.

بعد أكثر من ساعة ونصف، خرجت من القاعة بشوق، ودخلت الاستراحة، وقلبها يخفق فرحاً. هرعت نحو أختها وأمسكت بيدها بحماس.

تهاني: "إذاً، قولي لي، ماذا رأيتِ؟ ألم تلاحظي كيف نظر إليّ بحب عندما خرجت من القاعة؟ وكيف تابعني طوال الطريق إلى هنا؟"

سحبت إيمان يدها بقوة وانفجرت في ضحك ساخر.

إيمان - بسخرية: "أنتِ حقاً ساذجة جداً!"

شعرت تهاني بأن قلبها يغرق بعد ضحك أختها وكلماتها، التي لا تبشر بالخير.

تهاني - بخوف: "لماذا تقولين ذلك؟"

إيمان - بنبرة مليئة بالغيرة: "أنتِ دخلتِ القاعة، وذهب هو للدردشة مع فتاة أخرى من بلده. كان يتحدث معها، ويضحك كما لو كانت صديقته، أو ربما خطيبته. بعد نصف ساعة من لحظاتهما الرومانسية، غادرت الفتاة إلى محاضرتها، ثم التقى بأصدقائه. عندما اقتربت، سمعتهم يسخرون منك ومن سذاجتك، كيف أنك تعتقدين أنه مهتم بك!"

شعرت تهاني أن الأرض تهتز تحت قدميها، والعالم يدور من حولها. لم تستطع إخفاء صدمتها، وانهمرت الدموع على وجهها.

تهاني - بمرارة: "هل أنتِ متأكدة مما تقوليه؟"

إيمان - بنبرة جادة: "لماذا سأكذب عليك؟ أنتِ أختي!"

تهاني - مترددة: "لكنني لم أعطه أي اهتمام ليضحك عليّ مع أصدقائه ويصفني بالساذجة، لم نتحدث حتى بكلمة واحدة!"

إيمان: "أنتِ سهلة القراءة جداً؛ مشاعرك واضحة على وجهك. لابد أنه لاحظ حبك الواضح."

أومأت تهاني برأسها موافقة، وهي تمسح دموعها، تحاول إخفاء حزنها. غادرت مع أختها، وعندما وصلتا إلى أبواب الكلية، التفتت إليها.

إيمان - بحقد: "أين كان عقلك عندما ظننتِ أن شخصاً مثله قد يكون مهتماً بك، وأنتِ تبدين كما تبدين! كوني ذكية ولا تدعيه أو أي شخص آخر يلعب بمشاعرك."

كانت تهاني مذهولة من كلمات أختها القاسية، لكنها افترضت أنها الحقيقة لأنها أختها وتريد فقط ما هو أفضل لها.

تلك الليلة، ظلت تهاني تتقلب في سريرها، تبكي بصمت، تلوم نفسها على السماح له بخداعها. تدفقت دموعها أكثر عندما تذكرت كلمات أختها. على الرغم من قسوتها، كانت تعتقد أنها صحيحة، لذا قررت أن تنسى رابي تماماً. فإذا حاول الإقتراب منها مرة أخرى، ستدفعه بعيداً.

في صباح اليوم التالي، سارت عبر بوابة الجامعة ورأته واقفاً هناك كالمعتاد، ينتظرها. شعرت بالحزن لخداعه وتجاهلته تماماً بينما تبعها بصمت إلى قاعة المحاضرات. دخلت وجلست بجوار أحدى زميلاتها، ورأته يدخل خلفها مبتسماً وعيناه تراقبانها. للمرة الأولى، تجرأ على الجلوس بالقرب منها، بجانب أحد أصدقائه من بلده. لكن تهاني كانت مصممة على تجاهله، لذا جمعت تركيزها على المحاضرة ولم تنظر إليه على الإطلاق.

بعد انتهاء المحاضرة، غادرت إلى المختبر مع زميلتها، لتجد رابي ينتظرها خارج الباب. بدا وكأنه قرر أخيراً الإعتراف بمشاعره. عندما اقتربت من المختبر، اقترب منها خجلاً.

رابي - بتردد: "أم.. عذراً، هل يمكنني التحدث معك لدقيقة؟"

قاطعته تهاني، رافعة صوتها بشدة.

تهاني - بتحدٍ: "ماذا تريد؟ ليس لديك احترام، تتبعني في كل مكان كالقرد! اذهب بعيداً قبل أن أدعو زملائي للتعامل معك."

مرت بجانبه، مستمرة بازدراء.

تهاني: "أنت مزعج جداً."

كان رابي مذهولاً. لم يكن يتوقع رد فعل قاسياً كهذا منها. كان يظن أنها تشاركه المشاعر، وأنها لاحظت حبه العميق وكيف كان يتبعها يوماً بعد يوم. لكنه لم يستطع الرد، شعر بالعجز أمام كلماتها القاسية.

قضت تهاني بقية يومها في المختبر، وقلبها محطم..
في أول تجربة لها مع الحب.

بعد تلك المواجهة، اختفى رابي لعدة أيام. افترضت تهاني أنه خاف من تهديدها وابتعد. لكن بعد أسبوع، رأته جالساً وحده بين الأشجار، يبدو منهكاً. كانت لحيته قد نمت، وجسده يبدو هزيلاً، وملابسه ممزقة. كان الحزن على وجهه لا يمكن إنكاره.

تهاني - لنفسها: "هل يعتقد أنني سأقع في فخه؟ الحمد لله أن أختي كشفت قناعه."

ـــــــــ

 عشقت جميلتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن