قبل دقائق قليلة..انزعجت السائحة الألمانية من وجود محمود ورفضت الحديث معه، وفي الوقت نفسه، رفضت القيام من مكانها، في انتظار أن يشعر بالملل ويترك تهاني بمفردها. جلس محمود بجوارها وظل صامتاً، منتظراً أن تشعر بالملل وتعود إلى مجموعتها. مرت دقيقتان وشعر بالملل، فبدأ يشغل نفسه بمراقبة الضيوف. رأى أمامه مرآة تعكس صورة تهاني، فنظر إليها، مستمتعاً بمشاهدتها. وكما ذكرنا، مع الموسيقى الصاخبة، ظنت تهاني أنهما مشغولان بالحديث، ولم تلاحظ عيون محمود عليها.
رآها محمود وهي تمرر أصابعها في شعره بنعومة، ورأى الرغبة في عينيها وهي تنظر إلى رقبته.
محمود - لنفسه: "حقاً؟ ألم تجدِ مكانًا آخر تفكرين فيه غير هنا لتلمسيني وتلتهميني بنظراتك؟ لا يمكن، ستذوبيني أمام المدعوين، ولن أتمكن من منع نفسي من الجنون معك!"
سعد محمود بما تفعله، وظل يراقبها ليرى ما ستفعله أيضاً.
من الواضح أن تهاني تفكر الآن في الانتحار والتخلص من هذا الموقف.
محمود - لنفسه: "نعم، هذا هو الوقت المناسب لأعترف لها بحبي، لكن قبل ذلك تحتاج إلى أن تسمع مني محاضرة يجعلها تنسى شيئاً اسمه "منطق"!"
أشار لها محمود بالجلوس على الكرسي المجاور له، فجلست بصمت، محرجة منه. ودون أي مقدمات، أو أن ينتظر حتى تهدأ أعصابها، سألها:
محمود: " ماذا تعرفين عن المنطق؟"
تهاني - وعقلها مشوش: "هاه!!"
انفجر محمود ضاحكاً، وحاول أن يكمل الحديث وهو يكتم بقية ضحكته. تفاجأت تهاني من ضحكته، وعقلها انشغل بالتفكير فيما جعله يضحك.
محمود: "نعم، هذا هو المنطق، ليس له إجابة غير ذلك. إذا سار الناس على منطق واحد، لكانوا مثل روبوتات تتحرك دون تفكير، لأنهم يتبعون منطقاً واحداً. لن يكون هناك اختلاف في الطباع، ولن نرى خيراً أو شراً من الناس. الله خلق لنا العقل لنستخدمه ونفكر، ونعرف كيف نتحكم في قراراتنا ومصيرنا. ولو كان الإنسان قد اتبع المنطق، لكان قد فكر في إنهاء حياته من البداية لأنه يعرف نهاية طريقه. بعض الأقسام في المنطق ابتكرها الملحدون ليبرروا لأنفسهم وللعالم لماذا هم لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وأن الكون كله يسير وفقاً لمصطلح "المنطق" دون إله خالق الكون. هل فهمتي؟"
أخيراً، فهمت تهاني سبب ضحكته. أنها ذكّرته بمشهد في أحدى المسرحيات عندما أجابت بنفس إجابة أحد الممثلين، وتجنبت إحراجها، قلدت الإجابة الثانية.
تهاني - مازحة: "أهذا هو المنطق!!"
ضحك محمود بشدة على ردها، وأعجبه أنها بدأت تستريح معه، فنسي نفسه وتحمس للحديث لأنه أرادها أن تنسى العالم وتتعلق به فقط.
محمود - بسرعة: "نعم، عائلتك، على سبيل المثال. "المنطق" يقول أنهم أكثر الناس الذين يحبونك، والذين يهتمون بك، لكن في النهاية، كيف تصرفوا معك؟ في رأيي، كانوا يحتاجون إلى تربية صحيحة حتى يعرفوا معنى رابطة الأخوة.."
صدمت تهاني من كلامه. كيف يهين عائلتها ويسخر منهم ومن ظروفها ويظن أنهم غير محترمين؟ فقاطعته، وانهمرت دموعها وهي تتحدث بصوت يرتجف على وشك البكاء.
تهاني: "أتفق معك على أنه لا يوجد شيء اسمه "منطق"، لأن "المنطق" يقول إن الزواج ستر وأمان للمرأة، ولكن في الحقيقة، يمكن للرجل أن يطلق ويرمي زوجته في أي وقت يشاء، حتى لو كانا في نهاية سنهما، مما يعني أنه لا يوجد أمان في الزواج. وعائلتي يجب أن تعرف أنهم الأغلى لقلبي، ولن أسمح لأحد أن يستهين بهم مهما فعلوا بي. أنا أحبهم وسأظل أحبهم حتى نهاية حياتي. التربية لا علاقة لها بما حدث لي. هابيل وقابيل، أبوهم نبي. والنبي يوسف عليه السلام وأخوته، أبوهم نبي. بكلامك تقصد أن الأنبياء لم يستطيعوا تربية أبنائهم. أستغفر الله العظيم. حديثك عن عائلتي خطأ، خطأ!"
انفجرت تهاني بالبكاء وركضت من أمامه. ندم محمود بشدة على كلامه ولام نفسه على جرحها دون قصد.
محمود - وهو يضرب كفاً بكف: "ماذا فعلت؟ كنت على بعد خطوة واحدة لنكون معاً. هل كان يجب أن اتصرف مثل أفلاطون؟!"
غادرت تهاني القاعة وجلست في الحديقة، تفكر في عائلتها وما فعلوه بها، وكيف تركوها تعيش بمفردها. فجلست تبكي حتى نهاية الحفل.
ـــــــــ

أنت تقرأ
عشقت جميلتي
Romanceعلى ارتفاع آلاف الأقدام في السماء، وبين هدير المحركات وهمسات الركاب ربطت تهاني حزام الأمان بتوتر. شعرت بأن الطائرة لا تحملها فقط إلى وجهة بعيدة، بل إلى رحلة في عمق ذكرياتها، حيث الألم والخيانة والتضحية تختلط في نسيج حياتها. عاشت سنوات من العزلة بعد...