مقبرة الحب الأول

253 9 0
                                    


جلست عزة بمكان عملها بإحدى المصالح الحكومية وسط زميلاتها ، وفجأة وجدته أمامها ، حاتم ، حبيبها السابق ، الذى لم تره منذ أن تركت قريتها وتزوجت عمر ، ارتبكت عزة وتصببت عرقا ، حاولت استجماع قواها لتسأله عن ما جاء من أجله ، هو أيضا ألجمته المفاجأة لكنه كان أكثر تماسكا ، قدم أوراق طلبه مع القليل من الكلام والكثير من النظرات الطويلة المعتذرة والتى أربكت عزة أكثر ، انتهى اللقاء الذى لم يتجاوز الدقيقتين ، انصرف حاتم فى حين ظلت عزة متجمدة بمكانها ، تذكرت حبها لحاتم ، ورفض أسرته لها بسبب فقر أسرتها ، ولون بشرتها القمحى ، تذكرت كيف خذلها ولم يدافع عن حبه لها ، سرعان ما فاقت من شرودها ، لامت نفسها كيف كانت بهذا الضعف ، لماذا لم تكن قوية وتعامله بما يستحق من التجاهل وكأنها لا تعرفه ؟ لماذا ارتبكت ؟ أمازال بقلبها بعض الحب له رغم ما فعل بها ؟
لا ، أنها تعشق زوجها الذى يحسدها الجميع عليه .
ظلت تلوم نفسها بشدة ، أيعقل ان يكون مقابل إخلاص عمر لها أن تفكر في غيره ؟
عمر الذى لا ينظر إلى امرأة سواها أبدا ، ترى خيانات أزواج زميلاتها الجميلات ، فتحسد نفسها على حبه وإخلاصه ، وكثيرا ما استكثرته على نفسها ، ورأت إنه يستحق من هى أفضل وأجمل منها ، أو على الأقل من تحمل مؤهلا عاليا مثله .
إذن ما كان لها أن تكون بهذا الضعف ، كان يجب أن تكون قوية ، وعندما استبد بها الإحساس بالذنب بررت لنفسها ما حدث بأنه بسبب المفاجأة ، نعم المفاجأة ، إنها لم تر حاتم منذ أكثر من عشر سنوات ، ارتاحت لهذا التفسير وأكملت عملها .

جلس عبد الرحمن مع أولاده حبيبة تسع سنوات وعبد الله ست سنوات ، كان يقوم بتحفيظهم القرآن .
عبد الرحمن : برافو عليكى يا حبيبة ، كدة تميتى الجزء العاشر ، لكى منى هدية كبيرة ، وأنت يا عبد الله خلصت الجزء التالت انت كمان لك هدية .
حبيبة : هدية إيه يا بابا ؟ مش أنت بتقول إن ربنا هو اللى هيجزاينا على حفظ القرآن ، وأن القرآن هيكون ظل لينا يوم القيامة .
عبد الرحمن : أيوه يا حبيبتى ، بس ده ما يمنعش إنى أهاديكى بهدية حلوة .
حبيبة : إيه الهدية يا بابا ؟
عبد الرحمن : بقية قصص الأنبياء ، وكمان قصص الصحابة .
حبيبة : بجد يا بابا ؟
عبد الرحمن : أيوه يا حبيبى يالا بقى نقوم نجهز الأكل ونرتب الشقة قبل ما ماما تيجى عشان بترجع من شغلها تعبانة .
جاءت أم عبد الرحمن من حجرتها .
الأم : أفضل دلع فيها كدة ، ما انت كمان شغال وصاحى من الفجر .
عبد الرحمن : وماله يا أمى لما أدلعها ؟ وبعدين هو أنا أفضل من الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ ما هو كان بيساعد أهل بيته .
الأم : أنت حر .

تخرج عبد الرحمن من جامعة الأزهر وعمل أمام وخطيب بأحد مساجد مدينته ، سافر فى إعارة لدولة عربية عمل بها أكثر من خمس سنوات ، قبل أن يعود ويستقر ببلده ، شاب محبوب من الجميع ، يتقى الله فى زوجته ، يحبه الجميع ويحترمه ، ألان الله له قلب الجميع إلا قلب زوجته لحكمة لا يعلمها سواه .
كان يتبارى في إسعادها لكنه لا يجد منها الا النفور ، الردود فاترة ، الوجه عابس طول الوقت ، تتهرب من الجلوس معه إما بالعمل أو بالنوم ، ورغم هذا كان يعشقها ، لا تتطلع عيناه أبدا إلى غيرها ، حتى عندما اكتشف أنها تناول حبوب منع الحمل فى بداية حياتهما الزوجية لأكثر من عام ، عالج الموضوع بحكمة ، وغفر لها هذه الخطيئة وصدق تبريرها أنها كانت تريد أن تؤجل الحمل حتى تستقر في حياتها معه ، يومها طمأنها بأنه لن يتركها أبدا مادام حيا ، لم يكن يعلم أنه بهذا يقتلها بقتله لآخر أمل فى عودتها لحبيبها .

انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن