مقبرة الحب الأول

82 7 0
                                    

جاء عمر مفزوعا ، استطاع إخماد النار بملابسها بعد أن أحرقت جزءا كبيرا من وجهها وصدرها ورقبتها ،
نظر عمر على صيجان المخبوزات التى كانت فى كل مكان بالمطبخ والشنط المعبأة وقال : إيه ده ؟
عزة : نار فى وشى وصدرى يا عمر ، ودينى المستشفى الأول ونبقى نتفاهم بعدين .

ذهبت عزة للمستشفى ، تم عمل الإسعافات اللازمة لها ، كانت حروقها من الدرجة الأولى بالوجه والدرجة الثانية بالرقبة والصدر فتركت بعض الآثار الواضحة بهما ، ورغم هذا لم يرحمها عمر ، ظل يستفسر عن ما رآه يوم الحادث ، أخبرته عزة بكل شئ .
عمر : يعنى عملتى اللى فى دماغك ؟
عزة : أنا ما عملتش حاجة غلط .
عمر : لا عملتى ، لما تعملى حاجة أنا رفضتها يبقى عملتى حاجة غلط .
عزة : كويس إن الغلط بتاعى إنى عملت حاجة أحسن بيها دخلى ، كنت عايزنى أعمل إيه وأنت بتدينى مبلغ ثابت بقاله سنين ما اتغيرش ، حتى لما ربنا كرمك واشتغلت شغل إضافى برضو المبلغ ثابت والعيشة غالية .
عمر : انتى بتعايرينى يا عزة ؟
عزة : ينقطع لسانى قبل ما أقول كدة ، بس أنا غصب عني .
عمر : ما طلبتيش أزود لك المبلغ ليه ؟
عزة : أنت عارف إنى طول عمرى ما بأحبش أطلب حاجة ، أنا جيت على نفسي وراحتى عشان أكفى بيتى .
عمر : وأدى النتيجة ، بقيتى مشوهة .
عزة : خلاص يا عمر ده نصيب ، وكان هيحصل حتى لو ما كنتش بأعمل الحاجات دى ، على فكرة أنا أنحرقت من البوتاجاز مش من الفرن ، البوتاجاز بايظ وأنت عارف وصلحته كذا مرة ، والرجل قايل قدامك آخر مرة أنه ممكن يهب فى أى لحظة .
عمر : اطمنتى على الحمل ؟
عزة : الحمد لله كويس .

جاءت جنازة رجل منتحر إلى المسجد الذى يعمل به عبد الرحمن خطيبا وإماما ، علم عبد الرحمن هوية الرجل وتذكره ، أحد رواد المسجد المشهود له بحسن الخلق ، علم أنه انتحر بسبب خيانة زوجته ، تعرفت على شاب من الفيس بوك وأقامت علاقة معه ، وعندما اكتشفها الزوج طلب منها الابتعاد عنه فرفضت وطلبت الطلاق ، فانهى حياته من هول ما سمع .
انقسم الناس حول الصلاة علي الرجل المنتحر ، البعض رأى أن المنتحر كافر ولا تجب الصلاة عليه ، والبعض رأى أنه مذنب فقط وعليهم الصلاة عليه ، عمت الفوضى فى المسجد ، حتى أن البعض طالب بضرورة إخراجه فورا من المسجد لأنه خرج من دين الإسلام وأصبح فى حكم المرتد .
عالج عبد الرحمن الأمر بحكمة وناقش المعترض بالحجة .
رجل ١ : المنتحر كافر ، والكافر لا 'يصلى عليه ، ومش أنا اللى بأقول كدة .
عبد الرحمن : مين اللى بيقول ؟
رجل ١ : طول عمرنا بنسمع .
عبد الرحمن : بنسمع ، المصيبة فى كلمة بنسمع دى ، المنتحر عاصي ، مرتكب كبيرة من الكبائر ، لكنه ليس كافر ولا يخرج من دين الإسلام .
رجل ٢ : لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما واحد انتحر رفض يصلى عليه ، عشان يمنع الناس عن تقليده .
عبد الرحمن : لكن الصحابة صلوا عليه .
رجل ٣ : يا جماعة الرجل انتحر بسبب خيانة زوجته ، حد عالم بحاله كان إيه ؟ كان بعقله والا اتجنن ؟ هو فى بعد خيانة العرض مصيبة ؟
عبد الرحمن : حتى لو كان بكامل عقله ويعى ما يفعل وما يقول 'يصلى عليه عند معظم العلماء كابن عابدين ومالك وأبو حنيفة والشافعي ، كلهم بيقولوا أنه فاسق كسائر فساق المسلمين ، و'يصلى عليه ويدفن فى مقابر المسلمين .
رجل٢ : كلنا بنحبك وبنحترمك يا شيخ عبد الرحمن ، حتى لو زى ما بتقول المفروض إن الإمام الأكبر ، أو من له أهمية وكلمة زى السلطان ، قاضى البلد ، إمام المسجد أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار هذا العمل ، حتى يفهم الناس أن عمله خطأ وليس مقبول .
عبد الرحمن : وأنا مش قاضى ولا حاكم ، أنا بنى آدم زيي زيكوا .
رجل ٢ : لكن أهل الفضل لا يصلون على فساق زجرا لهم .
عبد الرحمن : أتمنى أن أكون من أهل الفضل ، لكن أما أنا أرفض أصلى عليه ، ووالدته تعرف إيه هيكون شعورها ؟ كفاية اللى هى فيه ، كلنا هنصلى عليه وندعى له ونطلب له الرحمة ، ونسيب أمره للى خلقه ، هو أرحم بيه مننا جميعا .
صلى عبد الرحمن على الرجل ، وبعد انتهاء الصلاة وقف وسط المصلين وقال : إن شاء الله نعمل ختمة للقرآن على روح المرحوم اللى ناوى يشترك معانا يسجل اسمه قدام الجزء اللى اختاره ، عشان لو فى اجزاء تبقت بدون قراءة أنا أخدها .
اعتاد عبد الرحمن عمل ختمة قرآن لكل متوفى'يصلى عليه بالمسجد ، كان يضع ورقة بها جدول مسجل به الأجزاء كاملة ، يقوم كل من يرغب فى قراءة جزء بوضع علامة على الجزء الذى اختاره ، الغريب أنه وجد كل الأجزاء تم اختيارها أكثر من مرة .

انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن