مقبرة الحب الأول

75 6 0
                                    

كعادة عزة مع عمر تغضب سريعا وتنسي أسرع ، لا تنتظر منه اعتذار لن يأتى ، ولا تبرير لأفعاله أو كلامه ، أما هو عندما يفعل ما يغضبها يكون أكثر لطفا وحنانا ، لكنه لا يعتذر أبدا .

استغلت عزة فترة هدوئه وصارحته برغبتها فى استكمال تعليمها بالجامعة المفتوحة .
عمر : انتى شايفة إن الوقت مناسب ؟
عزة : مش مناسب ليه ؟
عمر : لا فى وقت ولا فلوس .
عزة : ما تحملش هم حاجة ، أنا عاملة حسابى ، خالى كل فترة يجيى يدينى فلوس ، وبالنسبة للوقت أنا هأعرف أتصرف ، وإن شاء الله مش هأقصر فى حاجة .
عمر : طول ما بناتك صغيرين هما أولى بكل وقتك .
عزة : صدقنى مش هاقصر معاهم .
عمر : طب اجلى الموضوع ده شوية على ما لوجى تاخد الابتدائية .
عزة : لسة هاستنى تلات سنين ؟
عمر : خلاص يا عزة انتى شايفة الشغل على بعضه ، ما كله محصل بعضه ، دبلوم زى بكالوريوس .
عزة : أنا عايزة أكمل تعليمى لنفسى يا عمر .
عمر : دى مش كلية جاية لك فى التنسيق ، دى تعليم مفتوح ، يعنى ممكن تكملى فى أى وقت .
عزة بإنكسار : اللى تشوفه .
عمر : طب ياللا عشان عايز أنام .
لم تصدق عزة نفسها ، وقد سبقها عمر على حجرة النوم ، دخلت خلفه مسرعة .
عمر : هتقفى تبصى لى ؟ عندك قمصان نوم حلوة والا ابقى أجيب لك ؟
عزة بفرحة غامرة : عندى .
عمر : البسى قميص ابيض .
عزة : ما عنديش ابيض إلا واحد وأنت كنت ما بتحبوش ، عشان أنا سمرة .
عمرة : البسيه .
عزة : حاضر

شعرت عزة بقلبها يرقص طربا وكأنها عروس تلتقى بحبيبها لأول مرة ، غفرت له كل ما فعله ، وما أن ضمها إليه حتى نسيت كل خطاياه فى حقها ، نسيت تخليه عنها ، وجفائه وابتعاده الطويل عنها ، نسيت كلماته الحادة وقسوته التى أصبحت متعمدة فى الفترة الأخيرة ، وسلمت له جسدها المتعطش فقط لضمته التى تذيبها ، ها هو يجود عليها ليس بضمة فقط أو حضن ، بل يعطيها ما 'حرمت منه لشهور طويلة ، كان كريما معها للغاية ، أتاها راغبا ، تعرفه منذ أكثر من عشر سنوات وتعرف متى يكون لقائه بها أداء واجب يؤديه فقط لأنه سيسأل عليه ، وعندما يكون مثل هذه الليلة ، كانت ليلة مختلفة ، شعرت عزة أنها امتلكت القمر ولامست النجوم ، ولأول مرة تنام دون أن تبكى أو تفكر أوتظل أرقة بفراشها بالساعات ، نامت رغم أنها كانت تود أن تظل مستيقظة تتلمس جسد عمر ، تدس رأسها فيه ، تنظر إليه ، لابد أن ملامحه الليلة مختلفة ، تعرفه وسيما ، لكن لابد أنه الليلة زاد وسامة ، فنحن نرى أحبائنا بعيوننا العاشقة ، وهى تعشقه بجنون ، ترى أقل الأشياء منه عظيمة ، الكلمة الطيبة منه بكل قواميس الكلام ، البسمة منه فى وجهها بالدنيا وما فيها ، والليلة هى تعشقه أكتر من أى وقت ، تعشقه كما لم تعشقه من قبل ، هى التى كثيرا ما كانت تستكثره على نفسها رغم بعده وجفائه وقسوته ، فكيف يكون الحال الآن .

نامت عزة وجلس عمر بجوارها يدخن بشراهة ، ظل يفكر ويحدث نفسه .
عمر : خلاص يا عمر ارضى بنصيبك وانسى سميرة ، هى هتديك إيه وإلا هتعمل لك إيه أكتر من اللى عزة عملته ، كلهم زى بعض ، يظهر صحيح إن الحب ده وهم بنعمله من خيالنا ، ليه ما تديش نفسك فرصة تحب عزة ؟
عزة اللى اما بتضحك بس فى وشها بتبقى عايزة تجيب لك الدنيا كلها ، انسى كل اللى فات وابتدى معاها من جديد ، افتح صفحة جديدة ، صفحة بيضا زى قلبها ، صفحة ليها هى لوحدها ، مشاعرك وتفكيرك وقلبك ليها ولبناتك وبس .
قال هذا ونظر على عزة التى كانت نائمة مطمئنة ، والتى جعلها ترتدى الأبيض لهدف ما فى رأسه ، وكأنه تزوجها اليوم فقط .

وجود نهلة وعلى مع خالد ابن خال عزة كان فاتحة خير عليه ، حيث حملت زوجته قبل مرور شهر من وجودهما معه ، تعجب الجميع واقسموا أن ما حدث كرامة من كرامات إكرام اليتيم ، فقد ظل خالد وزوجته يسعيان لدى الأطباء لسنوات دون جدوى ، حتى ظن أن حلم إنجابه لن يتحقق ابدا .
ضاعف خالد من اهتمامه باولاد عزيزة نهلة وعلى وأغدق عليهما الهدايا ورغم هذا ظلت نظرات الانكسار فى أعينهما تقتل عزة ، رغم اهتمام خالد الشديد بهما كانا يشعران أنه غريب عنهما ، وهو رغم انفاقه عليهما ببذخ لم يعوضهما عن والدهما ، زوجته لم و لن تكن مثل أمهما أو حتى خالتهما عزة .

اطمنئت سميرة أن عبد الرحمن لا يفتش ورائها ، كما أنها تحتاط وتخفى كل البرامج التى حذرها منها ، فقامت بفتح حسابها على الفيس بوك ، والذى ظل مغلقا منذ أن قامت بإنشائه ، بدأت فى تلقى طلبات الصداقة من بعض الحسابات ، والتى كان بعضها من الرجال ، تجرأت أكثر وكانت تتناقش معهم فى بعض القضايا والتى كانت أحيانا تتطرق إلى الحياة الشخصية ، بالطبع كان لعمر نصيبا من تعليقاتها ، تعجب عمر من أمرها واهتمامها به من جديد ، هو يعرف هذا الحساب ، حساب أسيرة الماضى ، لكنه لم يستطع أن يتوصل لأى معلومة عنه ، دفعه الفضول ان يدخل حسابها من جديد ، وكانت المفاجأة ، وجد بعض المعلومات التى تؤكد أنها سميرة ، مثل انها من محافظة الفيوم ودرست فى كلية التجارة جامعة الزقازيق ، اسم حسابها أسيرة الماضى جعله يجزم أنها سميرة ، تذكر تعليقاتها عن الحب الاول وصعوبة نسيانه فتأكد أنها هى وأنها مازالت تحبه ، ولم تنس الماضى ، أرسل أليها رسالة على الخاص ، سألها إن كانت هى سميرة ، شعرت بفداحة ما فعلت فأنكرت واختفت ، بل وأغلقت الحساب وحذفته نهائيا ، لكن الشيطان دفعها لعمل حساب جديد فى نفس الليلة باسم آخر ، حتى تستطيع متابعه من جديد ، لكن دون تعليق أو إعجاب .

حاول عمر التوصل إليها لكنه فشل واختفى حسابها نهائيا ، بحث عن كل الحسابات التى تحمل نفس اسم حسابها فلم يجدها فيهم ، رجع إلى البوستات القديمة التى كانت تعلق عليها فوجد تعليقاتها اختفت ، شعر بالضيق الشديد فبعد أن كان على وشك الوصول إليها اختفت ، فقرر نسيان امرها ، لو كانت تريده لما هربت هكذا حدث نفسه .

مر أكثر من شهرين وعزة تعيش مع عمر فى الجنة ، يعود من عمله ، ينهى أعماله بسرعة ثم يجلس معها ومع بناته بعض الوقت ثم يدخلا معا حجرتهما ، وعندما كان الشيطان يوسوس له ويذكره بسميرة كان يغمض عينيه بسرعة ويفكر فى أى شئ آخر حتى يغلبه النوم .
حتى كانت المفاجأة .

انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن