مقبرة الحب الأول

81 6 0
                                    

عاد عمر من الخارج مبكرا ، ارتبكت عزة قليلا لأنها لم تعد الطعام بعد ، اعتادت أن تعده قبل قدوم عمر بقليل .
عمر : مالك يا عزة ؟ ارتبكتى كدة ليه ؟
عزة : اصلى لسة ما عملتش أكل ، كنت تعبانة وقلت انت كدة كدة بتيجى متأخر .
عمر : ولا يهمك ، هأبعت أجيب أكل جاهز .
عزة : لا ما تكلفش نفسك أنا هأعمل بسرعة ، أنا مجهزة كل حاجة من بدرى .
عمر : يا ستى ما انتى ياما عملتى ، انتى حامل وتعبانة ، خلي الأكل ده ليوم تانى ، وأنا هاشوف البنات عايزين ياكلوا إيه واتصل بالمطعم أجيبه .
عزة : برضو .
عمر : فى إيه يا عزة ؟ أنا عايز أقعد معاكى وإلا أنتى مش عايزة ؟
عزة : لا عايزة ، ولو تحب ما أعملش أكل كل يوم وأقعد معاك .
عمر ضاحكا : لا ما تاخديش على كدة .

تناول عمر الغداء مع عزة وجلس يدردش معها .
عمر : ها يا عزة قررتى تسمى الولد إيه ؟
عزة باندفاع : عمر ، باعشق الاسم ده ، وعايزاه يفضل معايا طول النهار أردد فيه ، انت ما تعرفش بأحبك قد إيه يا عمر ؟
عمر : لا عارف .
عزة : لا مش عارف ، أنا باحبك أكتر من أى حد فى الدنيا ، حتى أكتر من أولادى ، مهما تتخيل بعقلك مش نقطة فى بحر حبى لك .
عمر وهو يقبل يدها : والله عارف .
أذابت الحركة جسد عزة ودكت كل حصونها فتصببت عرقا وقالت بصوت هامس : ياه يا عمر ، انت عارف البوسة دى عندى بكل كنوز الدنيا .
عمر : على كدة بقى انتى هتبقى مليونيرة ، خصوصا أنها مش هتبقى آخر مرة .
عزة : بس هتفضل دى أغلى مرة فيهم .
عمر : عشان أول مرة ، دايما أى حاجة بنعملها أول مرة بيبقى ليها طعم مختلف ، أول رحلة روحناها فى المدرسة ، أول لعبة لعبنا بيها ، أول مرة نحب .
ارتبكت عزة وشعرت باهتزاز نبرة صوت عمر الذى تدارك نفسه وقال : بس بعد كدة بنروح أماكن أحسن الف مرة من اللى روحناها فى أول رحلة ، وبنجيب حاجات أغلى بكتير من أول لعبة ، وبنقابل ناس نحبهم بالعشرة والمواقف حب عاقل يعيش طول العمر .
عزة : راهنت عليك وما خسرتس يا عمر .
عمر : انتى عمرك ما تخسرى يا عزة ، انتى بنت أصول وأنا محظوظ بيكى محظوظ إنك فى حياتى .
عزة : أنا اللى محظوظة بيك يا عمر .
عمر : ناوية تسمى الولد إيه ؟
عزة بدلال : ما قلت عمر .
عمر : هو عمر واحد ، أنا بأغير ، وأخاف تنشغلى عنى بيه .
عزة : ولا كل عيال الدنيا تشغلنى عنك يا عمر .
عمر : أنا مش قد الكلام الحلو ده .
عزة : أنت قد الدنيا كلها .

بلغ الضجر بسميرة منتهاه
، رغم تنعمها بكثير من النعم التى تحسدها عليها غيرها ، زوج محب وأبناء متفوقون ، حساب بالبنك ، عمل ثابت ، ورغم كل هذا كانت تشعر دائما بالتعاسة ، بل كانت تشعر أنها أتعس خلق الله ، كتب عليها أن تكون لرجل جسدا ، ولآخر روحا وقلبا وتفكيرا ، لا هى تهنأ بما يراه غيرها نعمة تغبطنها عليها ولا هى تستطيع نسيان الماضى ، ظلت معذبة مقسومة جزئين ، جزء قليل جدا بل هامشى منها لمن امتلكها بورقة الزواج ، ولم يستطع أن يمتلكها لا بحسن عشرته ولا بما اعطاه لها من مال ، ولا حتى بما انجبه منها من أبناء ، وجزء آخر يكاد يكون كل كيانها وتفكيرها لحبيبها ، كانت تتعذب كل ليلة وهذان الجزءان يتصارعان ، وفى كل مرة ينتصر جزء الغائب الحاضر ، فتطمئن نفسها أنه آت ، فليس من المعقول أن تحبه كل هذا الحب ولا يأتى .

قررت عزة مضاعفة عملها الإضافى حتى تستطيع إدخار بعض المال يكفيها عندما تتقدم فى شهور الحمل وعندما تضع طفلها ، فهى لن تستطيع العمل بكامل طاقتها ، وبالفعل أدخرت مبلغا معقولا ، وقررت التوقف بعد أن أصبحت فى الشهر السادس للحمل ، أعدت آخر أوردر 'طلب منها ، قامت بعجنه وتشكيله حسب طلب الزبون ، وكما اعتادت وضعته فى صوانى وصيجان صغيرة وتركتها حتى تختمر ، كانت تخفى هذه الصيجان إما داخل الفرن أو داخل المطبخ الخشبى ، وعندما تستيقظ فجرا تقوم بتسويتها ثم تضعها فى أكياس نظيفة بسرعة ثم تعد الإفطار وبعد انصراف عمر الذى أصبح من حسن حظها ينصرف قبلها ، كانت تأخذ ما صنعت وتسلمه لأصحابه فى مكان عملها ، لكن فى هذا اليوم قامت متأخرة قليلا ، لم تستطع تعبئة المخبوزات لأنها ساخنة جدا ، فتركتها حتى تبرد فتقوم بتعبئتها ، وبدأت فى إعداد الإفطار بسرعة قبل استيقاظ عمر ، وأثناء انشغالها حدث ما حذرت منه مديحة كثيرا ، انفجرت إحدى شعلات البوتاجاز فى وجهها ، أمسكت النيران بملابسها من أعلى فاصبحت كالشعلة المشتعلة ، صرخت صرخات متتالية ....
انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن