مقبرة الحب الأول

98 7 0
                                    

جلست سميرة مع عبد الرحمن وهى مكرهة ، فكانت كالصنم ، ضحكتها صفراء ، وردودها فاترة ، وكلامها رد على كلام زوجها ، كانت كالمغيبة فى عالم آخر ، حتى مل عبد الرحمن وقال لها : قومى نامى يا سميرة ، انتى قاعدة مالكيش نفس .
انطلقت سميرة إلى فراشها دون أن تراجع زوجها فى كلمته ، أو تجامله برغبتها فى البقاء معه وقت أكثر ، كانت كالمعتقل الذى 'فتحت له أبواب السجن فقر هاربا من أمام سجانه .
نامت تاركة عبد الرحمن لأحزانه ، صلى ودعا ربه أن يهدى قلب زوجته له ، وأن يصلح حالها وينور بصيرتها الغريب أن عزة كانت تصلى وتدعو فى نفس الوقت تقريبا لزوجها .

ظلت سميره باردة جافة في مشاعرها تجاه عبد الرحمن ، يتفاتى في إسعادها ، ورغم ذلك كانت كمن طبع على قلبه ، حتى عندما كان يتطوع للقيام بأعمالها المنزليه كانت لا تقول له كلمه شكر واحده ، وكأن هذا واجبه ، ويكفي أنها تنازلت وقبلت أن تعيش معه .

كما كانت عزه تتفانى في إسعاد عمر ، وتلقى نفس معامله عبد الرحمن من سميره ، نفس الجفاء ونفس بروده المشاعر ، لم يسمعها يوما كلمه طيبة ، وكأن عمر ومسيرة يعاقبان عزة وعبد الرحمن على عدم اكتمال قصتهما ، وكأنهما المسؤولان عن تفرقهما .

لم يكن حال سميرة خافيا عن عبد الرحمن ، وكذلك لم يكن حال عمر خافيا عن عزه ، لكن كل منهما آثر الصمت والسكوت ، حتى لا يحدث ما يحمد عقباه ، كلا منهما يعلم أن النار تحت الرماد ، فآثر أن يتركها خامدة وهو يعلم أن يوما ما سينفجر البركان وتصيبهما حممه ، كانا فقط يدعوان الله أن يكون هذا اليوم بعيدا جدا ، وأن يظلا فى السعادة الوهمية مع حبيبا لم تتحرك لهما مشاعره يوما ولو لحظة واحدة ، حبيبا أجبرته الظروف على أن يكون شريكا لهما ، جسدا بلا قلب .

لم يكن الأمر صعبا علي عبد الرحمن وحده بل كان صعبا أيضا على سميرة ، كانت تقضي يومها بالهروب في العمل وتأتي إلى المنزل تجلس ساعه أو أقل ثم تهرب من جديد إلى النوم ، وتكون محظوظه لو غلبها ونامت سريعا ، والا ظلت تتقلب طوال الليل فى أرق ، وهى تفكر فى الرجل الوحيد الذى سكن قلبها للأبد ، ولم يسمح لغيره بالدخول أبدا ، وما بين الحنين والشعور بالذنب تمر ساعات الليل الطويلة ، ألف شعور يتصارع بداخلها وقلبها لا تملك من أمره شيئا ، حتى عندما كانت تصلى كانت تدعو الله أن يريحها وأن تنسي الماضى وأن يخرج عمر من قلبها مادام لم يعد نصيبها ، لكن يبدو أنها كانت تدعو وقلبها رافض ويدعو بالعكس .

وعلى الجانب الآخر كان عمر أيضا يهرب بالعمل ، حتى عندما وجد عملا إضافيا كانت فرحته بوجود شي يبعده عن المنزل وعن عزة أكبر من فرحته بزيادة دخله ، حتى أنه لم يبحث عن تفاصيل الأجر ، كل ما كان يهمه كم ساعة سيبعد عن المنزل ، وكالعادة ربط صاحب العمل الأجر بساعات العمل ، فأضطر عمر للعمل لأطول وقت ممكن ، فأصبح لا يعود الى المنزل الا قرب منتصف الليل ، فزادت هموم عزة هما جديدا ، كان عمر أمامها وبعيدا عنها ، لكن يكفى أنه بجوارها تستأنس به ، أما الآن فأصبح بعيدا ، يأتى ليتناول طعامه وينام ، وهو غير مستعد لأى نقاش أو حوار مع من اعتبرته كل عالمها ، ورغم هذا لم تتذمر ولم تشك' ، وظلت ابتسامتها تعلو وجها كلما نظر لها عمر أو نظرت هى له .
انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن