مقبرة الحب الأول

83 7 0
                                    


ما حدث أثناء غيبوبة عزة ولم تشعر به ، دارت بها الدنيا من صدمة وفاة شقيقتها الوحيدة ، اتصلت بها صديقتها مديحة عندما تأخرت عن موعد العمل ، ردت عليها نهلة ابنة شقيقتها ، فأخبرتها بما حدث ، فحضرت على الفور هى وبعض زميلات العمل ، تم إفاقتها وأغمى عليها أكثر من مرة ، حتى اضطرت مديحة لطلب طبيبة من مركز طبى خاص قامت بتعليق محاليل لها نظرا لاصابتها بهبوط حاد .
ما حدث لعزة جعل زميلاتها ينشغلن بها عن جثة شقيقتها التى مازالت ملقاة بجوارها ، فتحت عزة عيونها ونظرت حولها ، ثم نزعت المحلول من يدها واتجهت نحو جثة شقيقتها احتضنتها بشدة وظلت تناجيها .
عزة : سايبانى لمين يا عزيزة ؟ ده أنا ما حستش بموت أمى عشان كنتى معايا .
مديحة : وحدى الله يا عزة ، وقومى من جنبها خلينا نشوف هنعمل إيه .
عزة : هى ماتت بجد ؟ اتأكدتوا إنها ماتت؟ شوفى كدة يمكن مغمى عليها .
سلوى : الدكتورة اللى علقت لك المحاليل أكدت أنها ماتت بسكتة قلبية .
عزة : يا حبيبتى يا أختى ، قلبها ما استحملش ، ياريتنى ما سيبتها ، قالت لى مش هاستحمل أغسل كتير وأنا ما صدقتهاش .
مديحة : كنتى هتباتى معاها تعملى لها إيه ؟ كنتى هتمنعى ملك الموت يقبض روحها ؟
عزة : بس كنت على الأقل شبعت منها .
سلوى : مالوش لازمة الكلام ده ، شوفى هتتصلى بمين إحنا محتاجين رجل يخلص إجراءات دفنها ، وحد يشيل النعش .

اتصلت عزة بعمر أخبرته بوفاة شقيقتها .
عمر : البقاء لله .
عزة : أنا محتاجاك يا عمر ، أنا لوحدى .
عمر : اتصلى بخالك ، أنا فى موقع شغل ومش فاضى .
انصدمت عزة من رده ، حتى أنها لم تتوسل إليه ، بل أغلقت التليفون على الفور .
اتصلت بخالها فعلمت أنه مريض ومحجوز بالمستشفى لإجراء عملية جراحية وابنه معه ، اتصلت بأشقاء زوج أختها فرفضوا جميعا الحضور عدا واحد وعد بالحضور عند عودته عصرا من العمل ، أى بعد انتهاء الدفن ، الذى كان مقررا له آذان الظهر .

وأسقط فى يد عزة ، احتارت ماذا تفعل ، ولأول مرة تشعر باليتم ، فبكت قهرا وعجزا وحزنا .
مديحة : فى إيه يا عزة ؟
عزة بصوت مخنوق بالبكاء : مش لاقية رجل يجى يطلع تصريح الدفن لأختى ، ولا عندى حد يشيل نعشها .
وقبل أن تكمل عزة كلامها اتصلت مديحة بمحسن زوجها فحضر على الفور ومعه أشقائه الثلاثة على رغم من كونهم جميعا بالعمل ، كما اتصلت سلوى بالأستاذ يوسف مدير عزة بالعمل ، فحضر ومعه كل زملاء عزة الرجال بالعمل ، قام محسن بإنهاء كل إجراءات الدفن ، فى حين اتصل الأستاذ يوسف بإحدى الجمعيات الخيرية التى أحضرت سيارة لحمل الجثمان إلى مقابر أسرة عزة بالشرقية .
انتهى كل شئ ، وورارى التراب جسد عزيزة المتعب الذى أراحه الموت من عذابه ، انفض المولد وانصرف الجميع وخلت الشقة على عزة وأولاد شقيقتها ، ظلت عزة تنتظر حضور عمر لكنه لم يحضر حتى لتلقى العزاء ، ولم يتصل بها ليطمئن عليها ، ومن سذاجتها تصورت أنه قد أصابه مكروه ، فليس من المنطقى أن يتركها فى هذه الظروف وهو يعلم أنها وحيدة ، اتصلت به .
عزة : عمر قلقتنى عليك ، فى حاجة ؟ ما جيتش ليه ؟
عمر : أنتوا مش دفنتوها ؟ هاجى لمين ؟
عزة : تيجى عشانى يا عمر .
عمر : انتى عارفة إنى بأتعب طول النهار فى الشغل ، وانتى موجودة تسدى مكانى .
عزة : فى حاجات ما عرفتش أسد فيها وعملها الأغراب يا عمر .
عمر : انتى مش ناوية تيجى ؟ وإلا ناوية تباتى عندك ؟
'صعقت عزة من رده من جديد ، وكأن ما قاله وفعله لم يكن كافيا ، ورغم صدمتها تمالكت نفسها وقالت بحزم : هأبات يا عمر ، مش هينفع أسيب ولاد أختى لوحدهم خالص دلوقتى .
عمر : طب ياريت يكون النهاردة بس ، أنتى عارفة إنى أنا والبنات ما بنعرفش نعمل حاجة من غيرك .
عزة : هأقعد تلات أيام يا عمر .
عمر بفتور : أنتى حرة .
قال هذا وأنهى المكالمة ، وأسقط فى يد عزة من جديد واحتارت ماذا تفعل ليس من المعقول أن تترك طفلين فى الخامسة عشر والثانية عشر وحدهما ، وليس من المقبول أن تجعلهما يتركان منزلهما فى اليوم الأول لوفاة أمهما ، كما أنها لا تحتمل أن تغضب زوجها ، أو تبيت بعيدا عنه ، ولأول مرة تفعلها ، كانت تتمنى أن يأتى ويكون بجوارها ، تحتاجه هذا اليوم بشدة ، تحتاج أن تلقى بنفسها بين ذراعيه وتبكى ، فلم يعد لها غيره .

ظلت عائشة تبكى وسميرة نائمة بجوارها لا تعيرها اهتماما ، دخل عبد الرحمن ملهوفا .
عبد الرحمن : قومى يا سميرة رضعى البنت ، إزاى نايمة وسايباها تعيط كدة ؟
سميرة : أنا من التعب مش حاسة .
عبد الرحمن : قلت لك اعملى اجازة .
سميرة : خلاص يا عبد الرحمن ، مش كل يوم نتكلم فى الموضوع ده ، وبعدين أنا لسة مرضعاها من شوية .
عبد الرحمن : دى طفلة بتشبع وتجوع من أقل حاجة .
سميرة : قلت لك نفطمها مش موافق .
عبد الرحمن : سيبى البنت ترضع طبيعى يا سميرة كفاية إنها محرومة منك طول النهار ، واتعدلى وأنتى بترضعيها ، بلاش رضاعة وهى نايمة .
سميرة بضيق : حاضر .

وفى الصباح انتظرت عزة أن يأتى عمر أو يتصل بها أو يرسل حتى طعاما كما يحدث فى مثل هذه الظروف ، لكنه لم يفعل ،
وكالعادة التفت صديقات العمل حول عزة لمواساتها ولم يتركنها لحظة ، فى حين ملأ الرجال من زملاء العمل بإدارتها والإدارات الأخرى عزاء الرجال الذى أقامه محسن زوج مديحة ، الذى وقف بنفسه فى أول الصفوف لاستقبال المعزيين ، ظلوا يتوافدون طول أيام الحداد الثلاثة .

ظلت عزة تستقبل المعزين وكلما رن جرس الباب ظنت أن الطارق عمر ، لكنه خذلها ، كانت مستعدة أن تسامحه حتى لو حضر قبل رجوعها لشقتها بثوان ، لكنه لم يحضر ، شعرت عزة بضيق شديد من موقفه هذا ، فهى لا تترك مناسبة لأهله دون القيام بالواجب رغم كونها امرأة ، وهو يتخلى عنها بكل سهولة فى كل موقف تحتاج فيه إليه ، موت عزيزة لم يكسر قلب عزة كما كسره خذلانه لها ، فسقط عمر من نظرها وأوشك أن يسقط من على عرش قلبها الذى توجته عليه ملكا طويلا ، واهتزت قدسيته عندها .

انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن