مقبرة الحب الأول

82 5 0
                                    


كان الطارق عمر طليق عزة ، الذى دخل مباشرة فور فتح الباب واتجه نحو عزة ، وما أن رأته عزة حتى هبت واقفة وقالت : عمر ! اتفضل .
عمر : البنات فين ؟ واحشينى قوى ، نفسى أشوفهم .
أشارت له عزة بيدها على حجرتهما فرأى يدها اليسرى وبها دبلة الزواج ، انقبض قلبه بشدة ، ظن أنها تزوجت ، لكنه عاود النظر لها فتأكد أنها الدبلة الخاصة بزواجهما ، شعر ببعض الراحة واتجه إلي حجرة بناته .

جلس عمر أمام بنتيه كالصنم ، مر بعض الوقت ، شعر عمر بالخجل ، لم يجد كلاما يقوله ، فبكى بشدة ، التفت حوله بنتيه ، العجيب أن كل منهما تبارت في التسرية عنه ، فطبطب عليهما ثم انصرف ولم ينطق بكلمة واحدة .

عاد عمر إلى منزله يجر أذيال الحسرة ، ها هى عزة التى تركها منكسرة أصبحت قوية ، نجحت ولم تعد فى حاجة إليه ، ها هى تجمع حولها كل  محبيها ، يمتلأ بيتها  بالحركة والسعادة والحب ، ذكرته رائحة طعامها الشهى بما كانت تعده له فيما سبق ، كان يتبطر عليه أحيانا ويرفض تناوله ، الآن أصبح محروما منه ، لا يأكل إلا طعام سميرة السئ ، شعر بالندم الشديد ، ما أراحه شيئا واحدا فقط ، رؤية دبلته في يد عزة ، لم يكن يعلم أن عزة مازالت تحتفظ بها لتحمى نفسها من المتطفلين وصائدو الفرص ، لم تخلعها من يدها لتسد عليهم باب الدخول إليها .

مسكينة عزة حالها كحال الكثيرات من المطلقات والأرامل ، عليهن مواجهة مجتمع لا يرحم ، رجال بعضهم من النوع القناص الذى يريد اقتناص فرصة زواج لن تكلفه كثيرا ، يسيل لعابه فور سماع كلمة مطلقة ويحتال للوصول إليها حتى لو كان متزوجا ، وبعضهم لا يفكر فى الزواج ويظن أن المطلقة أو الأرملة مباحة وبلا شرف ، حتى النساء إما أن يتجنبنها خوفا على أزواجهن منها أو يخافن منها من الحسد فتخفين تفاصيل حياتهن عنها ، قد تكون عزة محظوظة بصديقاتها اللاتى وقفن معها ودعمنها ، لكن حال المرأة التى بلا رجل عندنا عموما مثير للشفقة ، إذا لم تتزوج تسمع المقولة الشائعة ( هنفرح بيكى امتى) وكأنها دخلت علم الغيب ، أو أتتها الفرصة ولم توافق حبا في لقب عانس ، وإذا تزوجت و'طلقت الجميع يريد أن يعرف سبب الطلاق وعلى المطلقة أن تحكى لكل من تقابله سبب الطلاق ، وتفاصيل كل ما حدث ، لتبدأ مصمصة الشفاه ، والدعاء على الطرف الآخر ، قد تكون الأرملة أكثرهن حظا ، تحظى ببعض الشفقة ، لكنها أيضا لا تسلم من تدخلاتهم لمعرفة تركة المرحوم ومن سيشاركها فيها من أهله ، وكم ترك من الأبناء ، ومعاشها بعده ، وهل يكفيها أم لا ، وهل تفكر في الزواج إلخ .....

زيارة عمر لم تمر مرور الكرام على عزة التى أغلقت باب حجرتها عليها وظلت تفكر ، عمر يبدو غير سعيدا ، كان شارد الفكر ، شاحب الوجه ، ليس عمر الذى تعرفه ، حتى ملابسه كانت غير مهندمة ، بعيونه الكثير من الكلام ، تعجبت عزة من حالها عندما رأته ، لم يعد له نفس التأثير عليها ، أيعقل أن تكون تخلصت من حبه ؟ دق قلبها بشدة معلنا الرفض ، أمازلت تحبه أيها القلب البائس المعذب بحب من قتلك ؟ كيف ؟ ألف كيف ؟ كيف تحبه بعد كل ما حدث ؟  اللعنة على كل قلب 'جرح فاستعذب الجرح وظل يدق بحب معذبه ، اللعنة على كل قلب دق لمن لا يستحق ، اللعنة على كل قلب أغلق بابه على حبيبا نافرا لم يشعر يوما به ، اللعنة على كل قلب ترك حبيبه يطعن فيه حتى الموت باسم الحب ، استحضرت عزة كل عذابات السنين ، الغدر ، الحرمان ، القسوة ، البعد ،  الخذلان ، ألف جرح وجرح جرحها لها عمر بقصد وبدون قصد ، طعنة قاتلة طعنها لها بدم بارد مازال أثرها بكل كيانها ، مازال الجرح ينزف كثيرا كثيرا ، استحضرت كل هذا كي تستطيع إخراجه من قلبها لكنها فشلت ، لعنت قلبها الذى عذبها أكثر من عذاب حبيبها ، الذى تآمر عليها وتعاطف معه وغفر له كل ما فعل ، بكت كثيرا حتى غلبها النوم .

انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن