مقبرة الحب الأول

76 6 0
                                    

وفى يوم جلسة الغسيل الكلوى الأولى لعزيزة حضرت عزة لها مبكرا ، رافقتها حتى المستشفى ، تم وضعها على جهاز الغسيل ، شعرت عزيزة برهبة شديدة وتوتر ، لكن وجود عزة بجوارها وحديثها المريح معها عن قبول قضاء الله وقدره والصبر عليه ذهب بهذه الرهبة ، جلست عزة بجوار عزيزة حتى كادت أن تلتصق بها ، ومن حين لآخر تمسك بيدها وتقبلها وتحوطها بكفاها لتبث فيها الدفء ثم تتركها ، هونت عزة كثيرا على عزيزة ألم الجلسة ، شعرت عزة بوجع كل ألم تتالمه شقيقتها ، ودت لو تحملته عنها .
عزة : وحدى الله .
عزيزة : لا إله إلا الله .
عزة : استغفرى ربنا ، وصلى على النبى كدة .
عزيزة : استغفر الله العظيم عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته .

ظلت عزيزة طوال الجلسة تذكر الله وتستغفره ، وفور انتهاء الجلسة استندت عزيزة على عزة التى قتلها القلق والحزن على شقيقتها فقالت لها بلهفة : حاسة بإيه يا حبيبتى ؟
عزيزة : دايخة وتعبانة قوى يا عزة ، حاسة إن اتنين فتوات ضاربينى علقة مكسرين كل جسمى .
عزة : معلش ، ربنا يجعله فى ميران حسناتك .
عزيزة : عضمى واجعنى قوى ، أنا هاستحمل كل التعب ده تلات مرات فى الأسبوع ؟
عزة : ربنا يخلق فى قضاه رحمة .
عزيزة : وهأفضل طول عمرى أغسل كدة ؟ ده أنا عندى 35 سنة .
عزة : معلش يا عزيزة ، الموصوع صعب فى أوله عشان تركيب الخراطيم ، بعد كدة هتتعودى ، ده فى ناس بتغسل بقالها عشرين سنة ، وفى أطفال كمان ، اجمدى كدة .
عزيزة : أنا عارفة نفسى ، أنا مش هاستحمل كدة .
عزة : قولى يا رب قوينى واشفينى ، ياريتنى أقدر أشيله عنك .
عزيزة : ربنا ما يوريكى اللى فيا ولا لحد أبدا.
عزة : والله لو كان ينفع اديكى كليتى ما كنت اتأخرت ، بس أنا فصيلة دمى غيرك .

عادت عزيزة لمنزلها ، لم تتركها عزة إلا بعد الاطمئنان عليها ، ظلت تتصل بها كل ساعة تحدثها وتطمئنها ، وفى اليوم التالى لم تحتمل صبرا أن تنتظر حتى عودتها من العمل ، فذهبت للاطمئنان عليها قبل الذهاب لعملها ، أطعمتها بنفسها وأعطتها الدواء وانصرفت ، وفور انتهاء عملها ذهبت إليها محملة بالكثير من الطعام والفاكهة .

تقبلت عزيزة قضاء الله وقدره وانتظمت فى جلسات الغسيل التى هونتها عزة عليها كثيرا ، فكانت نعم الأخت ، ونعم السند ، بل والأم .

عاد عبد الرحمن إلى المنزل مهللا فقد تم نقله للعمل كإمام وخطيب مسجد السيدة عائشة بالقاهرة ، وتم إعطائه شقة بمساكن البساتين ، انتظر سميرة حتى رجعت ليزف إليها الخبر التى قابلته بفتور وسخرية .
سميرة : يعنى لما ربنا يكرمك وتتنقل تروح السيدة عيشة وتسكن فى البساتين ؟
عبد الرحمن : كفاية انى أكون جنب مسجد السيدة زينب ، وضريح الإمام الشافعى .
سميرة : من شبرا للسيدة زينب يا قلبى لا تحزن .
عبد الرحمن : ليه كدة ؟ ده مكان طاهر وكله مساجد ، مسجد السيدة سكينة ، ومسجد السيدة عائشة ، ومسجد السيدة رقية .
سميرة : محسسنى إننا رايحين المدينة المنورة .
عبد الرحمن : كل شي بالصبر يا أم عبد الله .
سميرة : المرة الجاية هيودوك فين؟ مش بعيد يودوك الصعيد .
عبد الرحمن : ماله الصعيد ؟ ياريت ده أنا نفسى أروح للناس البسيطة أعلمهم أمور دينهم ، بس للأسف كل تنقلاتى هتكون فى حدود القاهرة الكبرى .
سميرة بسخرية : أديك رايح لبتوع البساتين أظن ما فيش أبسط من كدة .

وفى العمل
زميلة 1 : وماله يا سميرة ؟ البساتين مش وحشة ، وكفاية أنها قريبة صحيح من السيدة عيشة والسيدة زينب .
سميرة : السيدة عيشة والسيدة زينب على راسي ، بس المكان يعتبر منطقة شعبية ، وبعدين إحنا هنسكن فى البساتين و حتى لو سكنا فى السيدة زينب برضو منطقة عشوائية .
زميلة 2 : بكرة ربنا يكرمكوا وتتنقلوا مكان أحسن .
سميرة : طالما ابتدت كدة هنفضل طول عمرنا نتنقل فى الأماكن دى ، بكرة أما يتنقل يروح السلام وإلا حلوان .
زميلة 3 : حبيبك يبلع لك الزلط ، لو كان عمر دلوقتى وقعدك حتى فى الشرقية كان زمانه على قلبك زى العسل .
سميرة : أيوه ، هأنكر ؟ لو كان عمر وعيشنى حتى فى الصحرا ما كنتش أتضايقت ، عشان عمر قلبه كان سكنى ودنيتى .
زميلة ١ : وعبد الرحمن جوزك وأبو عيالك فوقى بقى يا سميرة .
زميلة ٢ : انتى مش قولتى أنا نسيت عمر .
سميرة : أنا فعلا نسيته ، انتى اللى سألتى وقولتى لو كان عمر وأنا جاوبتك بصراحة ، لكن خلاص عمر ما بقاش ليا ، لازم أسلم بكدة ، وراضية والله بنصيبى ، عمر إيه بعد ما بقى معايا تلات عيال ؟

انتقل عبد الرحمن وسميرة بالفعل إلى البساتين ، وهناك وضعت طفلتها عائشة ، التى استقبلتها استقبالا فاترا حيث كانت تأمل أن تنجب ذكرا حتى تستطيع التدلل على زوجها أكثر لعلمها أن كل الرجال يحبون إنجاب الذكور ، وعلى العكس تماما فرح عبد الرحمن فرحا شديدا ، ظل يقبل الطفلة ويقول : مرحب بالمؤنسات الغاليات ، مرحب ببنت أبوها وسبب دخوله الجنة .
سميرة : يعنى مش زعلان ؟
عبد الرحمن : أعوذ بالله ، حد يزعل من النعمة ؟ فى ناس مش طايلة ضفر عيل ، ربنا يعطيهم .
أقام عبد الرحمن لابنته سبوعا دينيا حيث قام بذبح شاة عقيقة لها ، حرص على توزيعها بنفسه على فقراء المنطقة ، وفور تعافى سميرة ذهب بها إلى منزل العائلة بالشرقية وذبح شاة أخرى وزعها على أهل بلدته .

مر عام وعزيزة منتظمة فى جلسات الغسيل الكلوى ، عانت معاناة شديدة و'أنهك جسدها بشكل ملحوظ ، وأصبح كالهيكل العظمى ، حيث أصيبت بأنيما حادة وانخفاض مزمن فى ضغط الدم ، جعلها تشعر دائما بالخمول ،
لم يهون عليها مضاعفات مرضها سوى وجود عزة بجوارها .

كعادة عزة بعد كل جلسة غسيل كلوى لشقيقتها تذهب إليها فى الصباح لتطمئن عليها قبل الذهاب لعملها ، اشترت طعام الإفطار وبعض اللوازم الأخرى ، طرقت الباب طويلا حتى استيقظت نهلة ابنة شقيقتها وفتحت ، شعرت عزة بانقباض شديد فى قلبها فور دخولها الشقة ، شمت رائحة الموت تملأ المكان ، جرت ملهوفة على حجرة شقيقتها فوجدتها نائمة ، اقتربت منها لتوقظها ، هزتها هزة خفيفة وأمسكت يدها فوجدتها باردة كالثلج ومتخشبة ، صرخت عزة وسقطت مغشيا عليها ، فاقت لتجد نفسها فى سرير شقيقتها ومعلق فى يدها محاليل .
انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن